زهـــــرة الكويت الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح – 1942 م __ ذ. السعيد عبد العاطي مبارك الفايدي

0
215
الشاعرة سعاد الصباح

زهـــــــــرة الكويت
الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح – 1942 م

 

 

يا سيِّدي يا الذي دوماً يعيدُ ترتيبَ أيَّامي
وتشكيلَ أنوثتي…
أريد أن أتكئ على حنان كَلِماتِكْ
حتى لا أبقى في العَرَاءْ
وأريدُ أن أدخلَ في شرايينِ يَدَيكْ
حتى لا أظلَّ في المنفى…

 

من قصيدة مطولة بعنوان ” تحت المطر الرمادي ! ”
——————-

قدمت عدة مقالات عن الدكتورة سعاد الصباح – وعندما طبعت كتابي بعنوان ” رثاء الأبناء في الشعر العربي ” كان لها حظا منه حيث فقدت زوجها وابنها البكر المبارك..

وكان لي شرف مقابلتها في معرض القاهرة الدولي للكتاب في جناح دار سعاد الصباح للنشر، واستمعنا إليها في أحاديث عفوية، فهي خجولة قليلة التحدث، إنسانة بسيطة تهتم بقضايا العصر مسكونة بحب الوطن بعد الغربة التي تمخضت عنها مأساة العرب المعاصرة..
ووفاء منا وعرفانا لفضلها الثقافي والاجتماعي ودورها الإنساني نبحر مع شراعها نحو الوجود الممتد بين ظلال رحلة العمر الطويلة هكذا..
ولِمَ لا فهي تمتلك الجرأة في التعبير والبوح لكنها تقمصت وشاح الحزن منذ نعومة أظفارها، برغم نشأتها في البلاط الأميري..

 

فمن هذا التغير نلمح إبداعها المتنوع بين الوطن والمرأة وقضايا اجتماعية، مع مغازلة الطبيعة ومحطات الرثاء في حياتها تذكرنا بلوعة الشاعرة العربية الخنساء..
فقد حدثت هزة عنيفة عايشتها عن كثب، أثرت عليها في تجربتها الذاتية، فعكستها كمرآة ترى فيها عالمها المخضب بالأوجاع.
لكنها تهرب إلى مدارات النور تمسك بأوتار الحياة مع سريان النهر المتجدد في انطلاقة لها دلالات استثنائية..
فنحن في مصر فتحنا أعيننا على روائع الشعر النسائي منذ عائشة التيمورية، ونازك الملائكة في العراق، وفدوي طوقان وسلمى الجيوسي في فلسطين، و عزيزة هارون وهند هارون في سوريا الحبيبة..

 

وشاعرتنا المبدعة زهرة الكويت الشقيق د٠ سعاد الصباح.
فكانت هذه الكوكبة من تلك الأسماء والتي تتلألأ في سماء الشعر العربي، تضفي صورة للمرأة العربية المعاصرة، فهن رائدات القرن العشرين اللائي عكسن ثقافاتهن نحو الأفق بلا حدود، مع خريطة الإبداع في جرأة ونبوغ وظهور بجانب الرجل، فتناغمت حلقات الإبداع في تلقائية وتواصل..
وقد وصفها البعض بأنها خنساء القرن العشرين لفقدها العديد من أسرتها، فشكلت وجدانها الهموم والأحزان، ومن ثم جاءت هذه اللوحات الشعرية مرهفة الأحاسيس، صادقة العاطفة، تكشف مدى تدفق معاني الحنان بين سطور القصائد، محملة بالكثير والكثير من الخيال الجميل البليغ السامي شكلا وموضوعا، من خلال مطالعتنا لبعض دواوينها التي تحمل دلالات إنسانية في فهم وإدراك لرسالة الفنون في حياة الإنسان، هكذا نتأمل فلسفتها الشعرية في تساؤلات تنم عن موهبة وقدرة وثقافة متنوعة، للبيئة العربية دور واضح وصريح، رؤية وملامح أصيلة تمسك بأهدابها نحو قيم جمالية تشرق من ثنايا النفس الحائرة…

 

 

ولدت الشاعرة الدكتورة سعاد محمد الصباح، بالكويت عام 1942، وعاشت تبحث عن العلم والثقافة مع نشأتها كأميرة بين قصر الحكم، حتى حصلت على درجة الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية، وعملت أستاذة وباحثة جامعية…
كل هذا جعل منها إنسانة لها دور في الحياة العلمية والعملية، فهي شاعرة وكاتبة وناقدة كويتية.
وأنشأت مؤسسة «دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع» عام 1985.
وعندما نقدم موهبتها الشعرية ورحلتها مع الحياة من خلال واحة الإبداع الفني نجدها تتقمص دور الخنساء لما ألم بها الحزن، لكنها تخرج من عباءته إلى الأنا التي تعشق الحياة والحب، والتغني بالحلم والوطن، ورسم واقع اجتماعي يتفاعل مع العالم الواسع.

 

وقد رسمت صورة الرجل في قصيدة رائعة لها عن قرب من محراب الرجل في سباق تصور مدى رؤيتها لعالمه كما يراها الرجل، في توازن بين يفتح تأملاتها نحو هذا النوع من الأدب المركب المطبق، لكنها في جسارة تقتحم جسوره في تلقائية هكذا فتقول الدكتورة سعاد الصباح :

أعرف رجلا
أعرف بين رجال العالم رجلا
يشطر تاريخي نصفين
أعرف رجلا، يستعمرني
ويحررني
ويخبئني بين يديه القادرتين

أعرف بين رجال العالم رجلا
يشبه آلهة الإغريق
يلمع في عينيه البرق
وتهطل من فمه الأمطار
أعرف رجلا
حين يغني في أعماق الغابة
تتبعه الأشجار

 

 من دواوينها الشعرية:
—————————–
ديوان “من عمري”، صدر عام 1964م.

_ ديوان “أمنية “، صدر عام 1971م القاهرة. الطبعة الثانية الكويت دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع 1989م، القاهرة 1992م.

_ ديوان “إليك يا ولدي”، صدر عام 1982م دار المعارف القاهرة (أربع طبعات) الكويت 1989م، القاهرة 1992م.

_ ديوان “فتافيت امرأة “، صدر عام 1986م، الكويت 1989م، القاهرة 1992م.

_ ديوان “في البدء كانت الأنثى”، صدر عام 1988م لندن، القاهرة 1992م.

_:ديوان “حوار الورد والبنادق”، صدر عام 1989م لندن.

ديوان “برقيات عاجلة إلى وطني”، صدر عام 1990م القاهرة، الكويت 1992م.

_ ديوان ” آخر السيوف “، صدر عام 1991م.

_ ديوان “قصائد حب “، صدر عام 1992م.

_ ديوان “امرأة بلا سواحل”، صدر عام 1994م.

 

ومن خلال مطالعتنا لشعرها الذي يتفاعل مع صيرورة الحياة بين فرح وحزن وصمت وانفجار، تعزف قصائدها، تفتخر بموطنها ورحلتها كطفلة، ووردة تفوح بين صخور بيئتها، تبدو بين أهداب خيمتها العربية، وتصف لنا معطيات الحياة في عشق ودفء وحنين إلى الوطن الكبير من خلال بيتها، والأحداث التي عصفت بمراحل التكوين، وهذا كله تؤكده قصيدتها إنني بنت الكويت، تزهو كالزهرة والفراشة بين ربوع موطنها الحبيب، ومع قصيدة ” إنني بنت الكويت ” والتي تصدح في مطلعها مغردة :

إنني بنت الكـويت
بنت هذا الشاطئ النائم فوق الرمل،
كـالظبي الجميل
في عيوني تتلاقى
أنجم الليل، وأشجار النخيل
من هنا .. أبـحـر أجدادي جميعا
ثم عـادوا .. يحملون المستحيل ..
( 2 )
إنني بنت الكويت
هل من الممكن أن يصبح قلبي
يابسا .. مثل حصان من خشب ؟
باردا..
مثل حصان من خشب ؟
هل من الممكن إلغاء انتمائي للعرب ؟
إن جسمي نخلة تشرب من بحر العرب
وعلى صفحة نفسي ارتسمت
كل أخطاء، وأحزان، و آمـال العرب ..
( 3 )
سـوف أبقى دائما ..
أنتظر المهدي يأتينا
وفي عينيه عصفور يغني ..
وقمر ..
وتباشير مطر ..
سوف أبقى دائما ..
أبحث عن صفصافة .. عن نجمة ..
عن جنة خلف السراب ..
سوف أبقى دائما ..
أنتظر الورد الذي
يطلع من تحت التراب ..

 

===
وفي قصيدة ذات نزعة فلسفية، تظهر فيها ” الأنا ” المسيطرة عليها كالأمواج المتلاطمة، تصف لنا وجودها مع الحياة في حوارية تقريرية بعنوان ( لا تنتقد )، تؤكد عل ملامح شخصيتها ومدى حجم المعاناة مع الحياة، بعيدا عن أطوار تنال من عالمها، فتقول الدكتورة سعاد الصباح :

لا تنتقد
لا تنتقد خجلى الشـديد .. فإننى
بسيطة جــدا … وأنت خبير ..
يا سيد الكلمات .. هبني فرصة
حتى يذاكر دروســه العصفور ..
خذني بكل بساطتي .. وطفولتي
أنا لم أزل أصبـــو .. وأنت كبيــــر.
أنا لا أفرّق بين أنفي أو فمي
في حين أنت على النساء قدير ..
من أين تأتي بالفصاحة كلهـــا..
وأنا .. يموت على فمي التعبيــر
أنا في الهوى لا حول لي أو قوة
إن المحبّ بطبعـــه مكســــور.
إني نسيت جميع ماعلمتني
في الحب فاغفر لي وأنت غفور
يا واضع التاريخ .. تحت ســريره
يا أيها المتشاوف المغـــرور.
يا هادئ الأعصاب.. أنك ثابت
وأنا.. على ذاتي أدور.. أدور..
الأرض تحتي دائما محروقة
والأرض تحتك مخمل وحرير..
فرق كبير بيننا يا ســـــــيّدي
فأنا محافظـــة.. وأنت جســـور
وأنا مقيّدة.. وأنت تطيـــــر..
وأنا محــجّبة.. وأنت بصيــــر..
وأنا.. أنا.. مجهـــولة جدا..
وأنت شهير..
فرق كبير بيننا.. يا سيدي
فأنا الحضارة
والطغاة ذكور..

 

هذه كانت قراءات لعالم شاعرتنا الكويتية الأميرة ( سعاد الصباح )، فهي أديبة ومحللة سياسية، حيث تخصصها في أستاذية الاقتصاد، وترحالها بين مدن العالم فتح أمامها واحة الإبداع الفني، برغم حالة الحزن التي ألمت بها جعلت منها شاعرة صادقة الوجدان، تترجم لنا مدى المعاناة بين المرأة والوطن قصيدة تحمل دلالات تفوح بعبقرية الزمن في تواصل مع روح العصر، فسطرت لنا فيوضا من شعرها ذات النزعة الواقعية في فلسفة، تكشف لنا شدو الغناء حول ظلال موكبها الطويل مع رحلة العمر تبحث عن الرحمة، تهرب من الطغاة بين المجهول…
فهي رمز شعري نسائي من رائدات القرن العشرين، صوت متميز واثق يزف لنا أحلام وأحزان المرأة في القطر الشقيق دائما.

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here