“حشرجة شوق” :
الغبارالكثيف على خيوط العنكبوت المتعملقة على عسبان النخيل، وأغصان السنط، وأعواد الذرة المكومة فوق أسطح البيوت، يصيب الأرواح بالملل، والقلوب بالعجز، والأجساد بالكسل.
يهرب الجميع من سطوة الكآبة إلى النوم، النعاس ملوش طعم، كسل معجون ببرود وخمول، مفيش نفس للأكل ومفيش أصلاً أكل. القمري والعصافير مخروسة كأن شوكة سعفة في مناقيرهم مغروسة.
البنات، الصبيان، الشيوخ، العجائز الذين أصبحوا قلة في القرية كلهم يأنون من أوجاع مختلفة عضوية وغير عضوية.
ملفوف حبل من ألياف الحزن والكمد على حناجر الجميع، فجأة القيلولة تُّقبل الأصيل \ العصاري \ زينب تفرك عينيها وتنظر فوق دولاب عليه خرائط من التراب والعنكبوت، تتعلي على كرسي وتاخد لفافة الحنة وتتحنى، وتتعلي بالكرسي وتنزل الطار المعلق على الحائط، وتخرج في (الملقة) مكان يشبه الميدان في وسط البيوت وتدق بالطار، تصيب الجميع في البيوت دهشة بطعم الشوق القاتل للفرح وللسعادة، مذاق في ريق حلوقهم الجافة للسعادة كأنه الماء البارد بعد عطش مميت، تخرج البنات والصبيان والشيوخ والعجائز ينظرون في وجوه بعضهم البعض بشوق، يتأملون تقاطيع وجوههم بحب غريب، وشوق أغرب، يريدون احتضان بعضهم، بل يريدون الالتصاق في بعضهم البعض حتى اختلاط الأضلع، تدق زينب بالطار والصبيان يمسكون أذرع بعض ويرقصون، تزغرد العجائز في ابتسامة كأنها مكواة تفرد تجاعيد جباههن.
ينزوي الصافي جانبا ويجمع حزمة حطب ويشعل النار، ويضع فيها كنكة الشاي..
رائحة الشاي تلهب إحساس الجميع بمزيد من النشوة،
المغيب يقترب، والقمر يتعهد الليل بنور واهب الحياة الأمل.