“قراءة في مسرحيّة: “بيت ليس لنا” للكاتب عمر كتمتو
(مهداة لروح الشّهيد الصّديق غسّان كنفاني)” “
أصدر الكاتب الدّكتور عمر كتمتو، (الدّبلوماسي والمُفكّر الفلسطيني، والسّفير السّابق في النرويج) هذه المسرحيّة احتوت على ستّين صفحة، وقُسّمت إلى أربعة فصول، واشتمل كلّ فصل فيها على وحدات المكان والزّمان والموضوع.
ابتدأت فكرة المسرحيّة ببساطتها، وتطوّرت أحداثها لغاية قبل النّهاية، حيث بلغت ذروتها، وظهرت قوّة رسالتها.
نجح الكاتب في عرض المسرحيّة بأسلوب متدرّج، بواسطة الحوار بين الشّخصيّات المختلفة، والتي اختارها الكاتب لتحريكها؛ في إظهار صفاتها، وأدوارها المختلفة، مع توظيف الحركات الدراميّة لكل شخصيّة وأخرى. من الممكن تصنيف نوع الحوار بالحوار الاستكشافي والإقناعي غالبًا.
لعب دور البطولة في المسرحيّة السيّد سامر، الناقد والكاتب في مجلّات وجرائد عربيّة وعالميّة، وهو مواطن يمني مغترب.
من خلال شحصيّة الكاتب سامر، أظهر لنا شخصيّة إنسان مفكّر، ذي ثقافة عالية، وذكاء عالٍ، وهو مغترب في إحدى الدّول العربيّة.
اختار الكاتب بقيّة الشّخصيّات في البطولة الثّانويّة مثل: الضابط، وطبيب الأسنان، والسكرتيرة هي الأنثى الوحيدة بين الشّخصيّات، والنادل، ومدير البنك؛ التقى جميعهم في مصعد واحد يخص نفس العمارة. وصف الكاتب كل شخصيّة بمفردها، وطريقة حديثها، وأسلوب الحديث لكل من الشّخصيات.
وظّف كاتبنا الحوار بين الشّخصيّات أعلاه؛ لتطوير الأحداث وتسلسلها، وكشْف نقطة الصّراع القائم، وهو محور من المحاور الأساسيّة للمسرحيّة، من خلال الحوار ظهرت الطبقة الاجتماعيّة، والمستوى العلمي والانتماء لكل بطل من الأبطال.
لا شك بأنّ المستوى الثقافي، والجدل الفلسفي أحيانًا كان جليّا، خصوصّا على لسان البطل سامر.
عقدة الصّراع في المسرحيّة، عندما وُجّهت تهمة القتل، أي قاتل الضّابط من قِبل الكاتب سامر، أثناء تجمّع الشّخصيّات في المِصعد، بالوقت الّذي توقّف بهم فجأة، وانطفأت الأنوار. يبدو الصّراع نحو الشّر ظاهرًا، بتدبير التّهمة للكاتب المغترب؛ بهدف الحكم عليه بالموت.
زُجّ سامر في السّجن بتهمة القتل، وحاول كلّ من الشّخصيّات المذكورة آنفًا إقناعه بأنّه هو القاتل، مع تقديم إغراءات ماديّة، ومنحه الجنسيّة، وقبوله في الانتماء للحزب الّذي ينتمون إليه.
في الفصل الأخير من المسرحيّة، تدرّج إلى الحلول، وإبراز النقد اللّاذع، الّذي رغب الكاتب بإيصاله للقارئ، وهنا تبرز الفكرة الرئيسيّة من المسرحيّة؛ عندما عُقدت محكمة شكليّة ومُحبكة، حكّامها ذوو أقنعة ومتنكّرون، حاولوا إثبات تهمة القتل المُتعمّد للبطل الكاتب سامر.
دافع سامر عن نفسه، وكشف كل المؤامرة بنفسه، وصرّح عن كشفه للحقيقة، بأن الحُكّام هم أنفسهم الأشخاص الّذين التقى بهم بالمِصعد، وكانت رغبتهم توريطه بتهمة قتل الضّابط فراس صمدي؛ ليتمّ إعدامُه. أثناء التحقيق أدلى بأنّه مواطن يمني، من أصل فلسطيني؛ تمّ تبنّيه بعد النكبة عام 1948، من قبل عائلة يمنيّة، بعد قتل والديه في دير ياسين. على الرّغم من تصريحه هذا، فلم تشفع له النكبة، بل العكس اتّهم بتزوير جنسيّته.
من هنا استقى الكاتب عنوان المسرحيّة “بيت ليس لنا” ، عنوان مُلفت للانتباه، ويوحي بأنّ الفلسطيني يظلّ غريبًا ومغتربًا، مهما ارتقت درجات ثقافته وعلمه، ولا يقدّره أحد ولا يحتويه سوى وطنه. ليس هذا فحسب، بل تُغتال كلمته، ويُغلق فمه، ولا حريّة للتعبير الفكري، والانتماء السّياسي.
ليس غريبًا علينا من كلمة الإهداء في بداية المسرحيّة، كما ذكر الكاتب عمر: ” المسرحيّة مهداة إلى روح الشّهيد الصّديق غسّان كنفاني” ، الّذي اغتيل غدرًا على يد الموساد الإسرائيلي في بيروت، عام 8.7.1972 والّذي كان متأثّرًا في القوميّة الفلسطينيّة والنكبة ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة. (ويكبيديا).
من المُلاحظ في هذه المسرحيّة، هو عدم وضوح المكان، ولم يظهر الزّمان أيضًا. ربّما قصد الكاتب من ذلك، تعميم الأحداث على معظم الدّول العربيّة في كل الأزمان؛ وللقارئ الحريّة في التفكير والتكهّن بزمكنة الأحداث.