حول القرآن الكريم __ ذ. السعيد عبد العاطي مبارك

0
56

 

“حول القرآن الكريم” :

قال تعالى:
” إنا أنزلناه في ليلة القدر ”
” إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ” ٠
” إِنَّا نَحْنُ نـزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ” ٠

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
” إِنَّ هَذَا القُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللهِ، فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ ” ٠
٠٠٠٠٠
في البداية تكلمنا في حلقات سابقة عن الصوم والدعاء ، وفي هذا اللقاء نتحدث حول القرآن، ولم لا فالحديث مع القرآن الكريم ذو شجون فهو منهج حياة والصراط المستقيم ، ولا سيما ونحن في شهر القرآن، شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبيانات من الهدى والفرقان ، نعم فمن شهد هذا الشهر فليصمه ويكثر من قراءة القرآن ٠٠

وعلى أية حال فإن القرآن والصيام يشفعان لصاحبهما يوم القيمة ٠٠
ومن هنا عزيزي القارئ الكريم نركز معا في هذا اللقاء الطيب المبارك حول القرآن العظيم ٠٠٠
* في البداية :
—————
( مع القرآن ) :
= القرآن لغة ٠
* الرأي الأول :
أن القرآنَ اسمُ عَلَمٍ على كتابِ الله ليس مشتقًّا ٠

* الرأي الثاني:
أنه مشتقٌّ من فعلٍ مَهْموز؛ وهو: “قرأ، اقرأ”، ويَعْني: تفهَّم، تفقَّه، تدبَّر، تعلَّم، تتبَّع، وقيل: تنسَّك، تعبَّد ٠
فهو من الفعل ” قرأ ”
فالقرآن مقروء بمعنى متلو، وكذلك هو قارئ؛ أي: جامع للأخبار النافعة والأحكام العادلة.
وجمع في المصاحف والصدور ٠٠

والخلاصة :
أن القرآن من القرء، وهو الضم؛ وذلك لضمه للسور والآيات والأخبار الصادقة والأحكام العادلة والقصص والأوامر والنواهي والوعد والوعيد ٠٠

 

* القرآن الكريم اصطلاحا و شرعا :
———————–
هو كتاب الله المعجز عند المسلمين، يُعَظِّمُونه ويؤمنون أنّه كلام الله، وأنه قد أُنزل على محمد بن عبد الله للبيان والإعجاز، وأنه محفوظ في الصدور والسطور من كل مس أو تحريف، وبأنه منقولٌ بالتواتر، وبأنه المتعبد بتلاوته، وأنه آخر الكتب السماوية والمعجزة الخاتمة لرسالة السماء إلى الأرض ٠٠
بعد السماوية بعد صحف إبراهيم والزبور والتوراة والإنجيل.
والقرآن هو أقدم الكتب العربية ٠
ونوه الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه المدثر والمزمل سينزل عليه قولا ثقيلا لا بد للاستعداد له ، حيث قال تعالى :
” إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ” سورة المزمل ٠

وأنّ القرآن قد نزل جملة واحدة، كقوله تعالى:
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ)،
وآيات أخرى يُفهَم منها أنّ القرآن نزل مُتفرّقاً على سنوات، ومن ذلك قوله تعالى:
(وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا)

فبعد أن نزل القرآن إلى اللوح المحفوظ، أنزله الله إلى بيت العزّة في السماء الدُّنيا، وكان ذلك في ليلة القدر كما ذكرت الآية، ونزول القرآن جُملة إلى السماء الدُّنيا فيه تعظيم لشأن القرآن، وتكريمٌ لشأن من أُنزل عليه؛ إذ كان في ذلك إيذانٌ لأهل السماوات السبع أنّ القرآن هو خاتم الكُتب السماويّة المُنزّلة على خير الخلق وأشرفهم محمد -صلّى الله عليه و استمر نزوله مفرقا ٢٣ عاما ١٣ بمكة و١٠ بالمدينة ، وهو ١١٤ سورة ، ٣٠ جزءا ،٦٠ حزبا ، لتثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وتمشيا مع حاجات الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور بجانب أحكام التشريع ٠
وأطول سورة البقرة وآية الدين ، وأقصر سورة الكوثر ٣ ثلاث آيات وأقصر آية مدهامتان والضحى والفجر ، وبه أول نزول الآيات الأولى من سورة العلق اقرأ، وبه خمس سور بدأت بالحمد الفاتحة والأنعام و سبأ والكهف وغافر.
و سورة بدون بسملة براءة ، وسورة النمل بها يسملتين ، ومنتصفه سورة الكهف “وَلْيَتَلَطَّفْ ” ٠
ويستحب عند القراءة نبدأ بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ٠٠ والبسملة ٠

ومن أسماء القرآن الكريم :
الفرقان- الكتاب- النور- التنزيل- الكلام- الحديث- الموعظة- الهادي- الحق- البيان- المنير- الشفاء- العظيم- الكريم- المجيد- العزيز- النعمة ٠٠٠ الخ ٠
فالسور المكية تتكلم عن العقيدة والتوحيد والتأمل في الخلق والقصص ، والجنة والنار ٠

والسور المدنية فيها التشريع والأحكام ٠٠
—-
وقد عرف العرب الشعر والنثر لأنهم أرباب فصاحة وأمة بيان، أمة اقرأ عرب أقحاح نزل القرآن الكريم بلغتهم العربية تشريفا لها ولهم ، فكان معجزة تحدي بجانب الكتاب الذي وضح معالم الإسلام الدين القيم ، وقد نزل في رمضان وتدارسه النبي مع جبريل والنبي مع الصحابة وهكذا ٠٠

وقال الوليد بن المغيرة عندما سمع منه آيات يقرؤها فقال:
والله لقد سمعت منه كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه ، وما يقول هذا بشر . فقالت قريش : صبا الوليد لتصبون قريش كلها . وكان يقال للوليد ريحانة قريش ٠
وقال ليس مجنون ولا شاعر ولا كاذب .
فقد تحدى الله عز وجل الإنس والجن أن يأتوا بمثلة أو سورة أو آية ٠٠ فعجزوا، ليس قول بشر لا شعر ولا نثر ٠٠
وهو فيه خبر من قبلكم ونبأ من بعدكم وحكم ما بينكم ٠٠
وكان النبي يحب أن يسمعه من غيره ، وأن كل حرف بحسنة والحسنة بعشر أمثالها والله يضاعف الحسنات كيفما يشاء ٠٠

وروى عبد الله بن مسعود :
اقرأْ علَيَّ القرآنَ قلت : يا رسولَ اللهِ كيفَ أقرأُ عليك وإنما أُنزِل عليك قال : إني أشتهي أن أسمعَه من غيرِي قال : فافتتحتُ سورةَ النساءِ فقرأت عليه فلما بلغت { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } قال: نظرت إليه وعيناه تذرفانِ فقال حسبك ٠٠
توقف وهو يتأمل معنى هذا الكلام يوم القيامة حيث الحساب ٠٠

وروى أنسُ بنُ مالِكٍ رضِيَ اللهُ عنه: “إنَّ أبا مُوسى الأشعري رضِيَ اللهُ عنه كان يَقْرَأُ ذاتَ ليلةٍ”، أي: يَقْرَأُ القُرآنَ وصَوْتُهُ مَسْموعٌ، ولعلَّه كان يَقْرَأُ في مسجِدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، “ونِساءُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَسْتَمِعْنَ”، أي: لقِراءَتِه وصَوْتِه وهو لا يَعْرِفُ، “فقيل له: “، أي: أخْبَرَهُ أحَدُهُم بعدَ قِراءَتِه بأنَّ زَوْجاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كُنَّ يَسْتَمِعْنَ له، فقال أبو موسى رضِيَ اللهُ عنه: “لو عَلِمْتُ لحَبَّرْتُه تَحْبيرًا”، أي: زِدْتُ فِي تَحْسِينِهِ بِصَوْتِي تَزيينًا “ولشَوَّقْتُ تَشْويقًا”، أي: جَعَلْتُ مَن يَسْمَعُ يَشْتاقُ إلى سَماعِ المَزيدِ لِحُسنِ الصَّوتِ. وحُسنُ الصَّوتِ يكونُ بحُسْنِ الأداءِ، بِحيث يُبَيِّنُ الحُروفَ ويُخْرِجُها من مَخارِجِها، حتَّى يبدُوَ القرآن ُواضحًا بَيِّنًا، ويكونُ بحُسنِ النَّغَمَةِ بِما يُحقِّقُ مَقصودَهُ مِنَ الخَشْيةِ والخُشوعِ والتَّفهُّمِ، وليس ما كانَ على طريقِ الأَلْحانِ المُطْرِبةِ المُلْهِيَةِ.

 

ومن فضائل القرآن؛ فهو كتاب تعبد وهداية ونظر وشفاء وحكمة ومنهج ودستور ، تحدى به الله عز وجل الإنس والجن أن يأتوا بمثله أو سور أو آية، فهو معجزة خالدة إلى قيام الساعة ٠٠
وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالَتْ:
قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
” الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُو ماهِرٌ بِهِ معَ السَّفَرةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي يقرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُو عليهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْران”٠
متفقٌ عَلَيْهِ.

 

* تأخر نزول الوحي :
وَفُتُورُ الْوَحْيِ : عِبَارَةٌ عَنْ تَأَخُّرِهِ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ ، وَكَانَ ذَلِكَ لِيَذْهَبَ مَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَهُ مِنَ الرَّوْعِ، وَلِيَحْصُلَ لَهُ التَّشَوُّفُ إِلَى الْعَوْدِ ٠
ثُمَّ فَتَرَ الْوَحْيُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتْرةً مِنْ ذَلِكَ ، حَتَّى شقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، فَأَحْزَنَهُ ، فَجَاءَهُ جبريلُ بِسُورَةِ الضُّحَى ، يُقسم لَهُ رُّبه، وَهُوَ الَّذِي أَكْرَمَهُ بِمَا أَكْرَمَهُ بِهِ ، مَا ودَّعه وَمَا قَلاَه ٠٠
نعم وما كان ربك نسيا ٠
وكان يأتي جبريل عليه السلام في صورته للنبي صلى الله عليه وسلم هو دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه، وقد ذكر العلماء أنه كان من أحسن الصحابة رضي الله عنهم وجهاً.

 

* و تبقى لنا أن نذكر قصة جمعه :
موقعة قتل القراء معركة اليمامة مع مسيلمة الكذاب والمرتدين :
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وتولي أبي بكر الصديق الخلافة، كان التصدى للمرتدين أول مهمة قام بها أبو بكر رضي الله عنه.
وكان في طليعة من تصدى للمرتدين أهل القرآن الكريم من الصحابة الكرام، ذلك أن أهل القرآن هم الطليعة والقدوة في كل شيء.
ففي معركة اليمامة ضد مسيلمة الكذاب، وهي المعركة الفاصلة مع المرتدين، كان شعار الصحابة الكرام: “يا أصحاب سورة البقرة يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال”.
وقد استشهد في هذه المعركة ألف ومائتا شهيد، كان منهم 70 من قراء القرآن الكريم. ولاحظ الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، خطورة استشهاد حفظة القرآن، لأن القرآن الكريم الأصل فيه تُلقي مشافهة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال للخليفة أبي بكر رضي الله عنهما: “إن القتل استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن. وإنى أرى أن تأمر بجمع القرآن” (رواه البخاري).
من هنا كانت البداية لجمع القرآن الكريم في زمن الصديق في مصحف واحد بين دفتين، مرتب السور.
فكان القرآن محفوظا في الصدور ، وفي السطور مكتوبا على الجلد و العظام و سعف النخيل ٠٠
وبعد هذه المعركة تم جمعه في كتاب واحد مصحف.

 

المرحلة الثانية لجمع القرآن الكريم :
في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ٠

أنس بن مالك رضي الله عنه: أنَّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان رضي الله عنه وكان يُغازي أهل الشَّام في فتح أرمينية، وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين ! أدرك هذه الأمَّة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنَّصارى ! فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصُّحف ننسخُها في المصاحف ثمَّ نردُّها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزُّبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام رضي الله عنهم فنسخوها في المصاحف.

وقال عثمان للرَّهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيءٍ من القرآن؛ فاكتبوه بلسان قريش، فإنَّما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتَّى إذا نسخوا الصُّحف في المصاحف؛ ردَّ عثمان رضي الله عنه الصُّحف إلى حفصة، فأرسل إلى كُلِّ أفقٍ بمصحفٍ ممَّا نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كلِّ صحيفةٍ، أو مصحف أن يُحرق.
إنَّ هذا الحديث الصَّحيح قاطعٌ بأنَّ القرآن الكريم كان مجموعاً في صحفٍ ومضموماً في خيط، وقد اتَّفقت كلمة الأمَّة اتِّفاقاً تامّاً على أنَّ ما في تلك الصُّحف هو القرآن كما تلقَّته عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في آخر عرضةٍ على أمين الوحي جبريل عليه السَّلام ٠
وبهذا حفظ الله كتابه من اللحن و أي فساد وخلل حتى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة ٠

٠٠٠٠٠٠
و بعد هذه الخطوط العريضة مع القرآن نتمنى أن نكون قد وفقنا في تسليط الضوء في بعض القضايا حوله كمدخل لمن يريد أن يبحث عن الزيادة في التفقه في كتاب الله عز وجل ٠
فيا رب انفعنا بالقرآن الكريم واجعله قائدا لنا يوم القيامة إلى الجنة ، والحد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين آمين ٠

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here