موسوعة (التفسير الموضوعي للقرآن الكريم) – 1:
“أصحاب الجنة في القرآن الكريم”
بسم الله الرحمن الرحيم
( يا أيها الذين آمنو استعينوا بالصبر والصلاة . إن الله مع الصابرين . ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون . ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون . )
سورة البقرة \153 ــ 157
يوضح القرآن الكريم أن النفس الإنسانية منها المؤمنة ومنها الكافرة والمؤمن الصالح من قهرها وكبح جماحها . وقد أنزل الله تعالى العلاج الشافي لهذه النفس في قهرها ورضوخها للعمل الصالح . فألهم الله المؤمنين واستدلهم على ذلك بالاستعانه بالصبر والصلاة في زجرها عن المعاصي كلها . وقد قدم الصبر على الصلاة، لأن الصبر يكبح جماح النفس ويصدعها عما تروم . والصلاة تنهاها عن عمل كل منكر وسيئ . وفيها يناجي العبد ربه مرات ومرات ويدعوه فيها خوفا وخشية منه وطمعا في عفوه وغفرانه . لأن الله تعالى يهيئ للإنسان الصابر كل السبل في الخير فأنه مع الصابرين .
والصبر في الجهاد حتى القتل أو الموت صورة جديدة أخرى أوجبها الله تعالى على المؤمنين ثم أوجب رفعها إلى أعلى المراتب وجعل النفس المقتولة بحكم الحية فالمرء الذي يقتل في الحرب في سبيل الله ونصرة الحق فليس في عداد الميتين عند الله بل أنهم أحياء عند ربهم يرزقون . دائمة حياتهم نقلوا من دار الدنيا إلى دار الآخرة فهم أحياء فيها خالدون أبد الدهر، ولكن الإنسان لا يشعر بذلك لقصور في تكوينه وحدود عقليته، فهم من أصحاب الجنة . والموت أو القتل في سبيل الله صورة أخرى من صور الصبر، تتجلى في النفس الإنسانية حين تهب الروح ذاتها للعلي القدير وتقتل في سبيل نصرة الحق وما شرعه الله تعالى .
ثم ذكر الله تعالى للمؤمنين صورا أخرى من الصبر هي أشبه بالامتحان لعباده ودرس من دروس الصبر الموجب الالتزام به وهذه الأمور هي ابتلاء النفوس المؤمنة بالخوف وأحواله الكثيرة والجوع ونقص الأموال بنزعها ممن يشاء، ونقص في الأنفس بالموت ونقص في الثمرات بالجدب وما هذه إلا صور من صور الصبر لتمحيص الصابرين من الذين لايصبرون ممن هم سريعوا الجزع. ثم تختم الآية الشريفة بالبشرى للذين صبروا بقوله تعالى (وبشر الصابرين)، والخطاب فيها موجه إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فالفاعل محذوف تقديره أنت مقصود به النبي المصطفى محمد صلوات الله وسلامه عليه، والصابرين مفعول به ثم يتبع ذلك كله بوصف كامل وعظيم لهؤلاء الصابرين الذين يرجعون كل شيء إلى الله تعالى، وهم الذين إذا أصابتهم مصيبة أي مصيبة بما فيها مصيبة الموت أو القتل أو الخوف أو الجوع أو ذهاب الأموال وقلة الأنفس بالموت أو نقص الثمرات .. أو غيرها .. يكتمون الأمر في نفوسهم وقلوبهم ويرجعون ذلك إلى الله تعالى بقولهم- إنا لله وإنا اليه راجعون -. وبهذا القول تستبين عبوديتهم لله . فهم وما يملكون إليه وأمورهم موكولة إليه فهم إليه راجعون .. عند ذلك ينزل الله عليهم رحمته ويعظهم أن عليهم صلوات من الله ويدخلهم في رحمته كونهم ممن هداهم ورضي عنهم فأدخلهم رضوانه.
فهم أصحاب الجنة .
________
راجع كتابي ( أصحاب الجنة في القرآن الكريم ) ط. عمان – الأردن.