في الوقت الذي تتحدث فيه البيداغوجيات الحديثة في التعليم عن البيداغوجيا الفارقية التي تراعي الظروف النفسية والاجتماعية والإمكانيات الفردية لكل متعلم على حدة ،لا يزال التعليم عندنا غير مبال بهذه الفوارق ..وبدل التفكير في القضاء عليها وتجاوزها ،يزيد من حدتها ومن حدة تكريسها.
بني التعليم على التمييز في مقرراته ومناهجه منذ السنوات الدراسية الأولى للتعليم الابتدائي في بلدنا.
وغالبا ما تأتي النصوص القرائية لتكريس التمييز والتهميش الذي تعاني منه المرأة في المجتمع .. تلك النصوص التي يصوغها أو يختارها فريق من المختصين في مجال التربية والذين يكونون في معظمهم ذكورا .. فعندما يخرج الأب للعمل ،تبقى الأم في البيت لتهتم بشؤونه وعندما يحضر الأب هدية للولد تكون عبارة عن سيارة أو طائرة أو قطار ولا تكون هدية البنت في الغالب إلا دمية لتمشط شعرها وتهتم بملابسها ..و بينما يخرج الولد للعب خارج البيت مع أصدقائه تمكث الفتاة في المنزل لتساعد الأم في الكنس والتنظيف وطهي الطعام..وهكذا تكون دائما الفضاءات المفتوحة وأماكن الترفيه من نصيب الذكر لا الأنثى وتكون الأعمال المهمة الرائدة والتي لها وزن ودور مهم في النهوض بالمجتمع من اختصاص الذكور لا الإناث .. فالرجل هو دائما من يكون مدير المصنع أو المعمل أو الشركة أو المصلحة .. وإذا أخرجت المقررات الدراسية المرأة خارج البيت فسيكون ذلك في الغالب الأعم لتشغل منصب سكرتيرة أو نائبة مدير أو لتكون بائعة خبز وكبريت. وبالرغم من كل هذا الحيف والتمييز لم نسمع أبدا في يوم من الأيام رغبة من المسؤولين عن إصلاح التعليم في بلادنا في تغيير هذا النوع من البرامج الدراسية !
بحكم اشتغالي في ميدان التربية والتعليم ، ألاحظ كما الجميع تفوق الفتيات كما وكيفا على الذكور وخصوصا في المرحلة الثانوية ..لكنهن للأسف الشديد لا يتوجهن للدراسات العليا ولا ينهين المشوار فيها إلا بنسبة قليلة مقارنة مع الذكور لأن المجتمع يلاحقهن بأفكاره البالية الذكورية التي لا ترى مستقبلا للفتاة إلا في إطار الزواج .وهكذا تتوجه الفتيات نحو الوظائف الصغيرة في معظم الأحيان كي يستطعن الزواج في أقرب وقت وإلا فقد يصبحن مهددات بالبوار والكساد ..فلقد ترسخ في أذهانهن طوعا أو كرها أنهن مجرد سلعة لها مدة صلاحية معينة ، وأن الحرص على الأناقة والجمال ينبغي أن يكون لديهن أقوى من الحرص على التعلم والوصول للمراتب العليا في المجتمع.
إلى متى سيبقى الحال على ماهو عليه وإلى متى سيظل التعليم قاصرا عن خلق التغيير الحقيقي والنهوض بالمجتمع واستغلال كل الطاقات الموجودة فيه بتجاوز تلك الفوارق التقليدية التي أصبحت بلا معنى في الوقت الراهن، و إلى متى سيظل التمييز بين الجنسين تمييزا سلبيا لا إيجابيا؟