حِكَايَتِي مَعَ مَرَض السَّرَطَان وَالْأَمَل .. – فدوى هرنافي

0
141

كَانَ عُمْرِي 35 سَنَة عِنْدَمَا اكْتَشَفْتُ بِالصُّدْفَة إِصَابَتِي بِسَرَطَانِ الثَّدْي .. لَنْ أَنْسَى ذَلِكَ الْيَوْم الّذِي أَخْبَرَتْنِي فِيهِ الطَّبِيبَة بِأَنّ هُنَاكَ أَوْرَام سَرَطَانِيَّة خَبِيثَة وَيَجِب اسْتِئْصَال الثَّدي فِي أَسْرَعِ وَقْت وَالبَدْء فِي الْعِلَاج الْكِيمَاوِي وَالْإشْعَاعِي
كَانَ يَوْماً طَوِيلًا وَقَاسِيّاً ..أَحْسَسْتُ بِتَثَاقُلِ نَبَضَاتِي وَرَعْشَة تَسْرِي بَيْنَ أَضْلُعِي ..

اجْتَاحَنِي ضَيَاعٌ غَرِيب وَخَوْفٌ شَدِيد فَحَاوَلْتُ جَاهِدَةً أَنْ أَسْتَوْعِبَ الْخَبَر وَأُقْنِعَ نَفْسِي بِأَنَّهُ مُجَرَّد حُلُم أَو مُجَرّد كَابُوس وَلَكِن عَبَثاً .. حِينَهَا، قَرَّرْتُ أَنْ أَصْرُخ لَعَلِّي أَتَخَلَّص مِنْ خَوْفِي فَاخْتَنَقْتُ وَدَخَلْتُ فِي صَمْتٍ عَمِيقٍ ..

كَانَت فِكْرَة الْمَوْتِ تُرَاوِدُنِي طوَالَ الْوَقْت .. كُنْتُ خَائِفَة عَلَى بَنَاتِي وَعَلَى مَصِيرِهمَا مِنْ بَعْدِي أَكْثَر مِنْ خَوْفِي عَلَى نَفْسِي .. فَعِشْتُ فِي صِرَاعٍ رَهِيب ..

بَدَأْتُ بِالْبَحْثِ عَنْ مَقَالَات الْعِلَاج الْكِيمَاوِي وَعَنْ آثَارِهِ الْجَانِبِيَّة، كُلّ مَا قَرَأتُ كَانَ مُرْعِباً وَأدْرَكْتُ حِينَهَا بِأَنَّنِي سَأَخُوضُ مَعْرَكَة شَرِسَة .. وَرَغْمَ ذَلك كُنْتُ أُحَاوِلَ أَنْ أَبْدُو قَوِيَّة لِأَتَغَلَّبَ عَلَى الْمَرَض وَيَعُودُ كُلّ شَيء كَمَا كَانَ ..

دَخَلْتُ الْمُسْتَشْفَى لإجْرَاء عَمَلِيَّة اسْتِئْصَال الثَّدْي وَأَتَذَكَّرُ أَنَّهُ كَانَت هُنَاكَ امْرَأَة قَدْ دَخَلَتْ مَعِي فِي الْوَقْتِ نَفْسِه وَكَانَتْ حَالَتهَا صَعْبَة جِدًّا، فَحَاوَلْتُ مُوَاسَاتهَا وَتَهْدِئتهَا .. انْشَغَلَ تَفْكِيرِي بِتِلْكَ السََّيدَة وَأَدْرَكْتُ حِينَهَا أَنَّ هُنَاكَ مَنْ هُم أَعْظَم بَلَاء مِنِّي، مَنْ مَرَضهُ أَخْطَر وَأَصْعَب وَأَنَّ هَذَا امْتِحَانٌ مِنْ رَبِّي لِيَخْتَبِرَ صَبْرِي، فَقَرَّرتُ الْمُوَاجَهَة وَالتَّشَبُّت بِالْحَيَاة حَتّى آخِر نَفَس ..

جَاءَت مَرْحَلَة الْعِلَاج الْكِيمَاوِي .. وَبَعْدَ ثَانِي حِصَّة بَدَأَ شَعْرِي يَتَسَاقَط، كْنْتُ قَدْ هَيَّئْتُ نَفْسِي وَقَصَصْتُ شَعْرِي الطَّوِيل، لَكِن تَبْقَى تِلْكَ اللَّحْظَة الَّتِي فَقَدْتُ فِيهَا شَعْرِي مِنْ أَقْسَى وَأَصْعَب اللَّحَظَات .. بَدَأَ شَكْلِي يَتَغَيَّر وَكُنْتُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أُقَابِلُ فِيهَا شَخْصًا أُفَكِّرُ فِيمَا إِذَا كَانَ سَيَعْرِف أَنِّي مُصَابَة بِالسَّرَطَان وَمَاذَا سَتَكُونُ رَدَّة فِعْله .. كَانَت أَحَادِيثُ الْبَعْض مُزْعِجَة فِيهَا تَشَاؤم وَاحْبَاط .. وَمَعَ ذَلِك كُنْتُ أُحَاوِلُ أَنْ أَتَغَاضَى وَأَتَجَاهَلَ كَلَامهُم ..

أَنْهَيْتُ الْعِلَاج الْكِيمَاوِي وَبَدَأتُ مَرْحَلَة الْعِلَاجَ الإِشْعَاعِي لِقَتْلِ الْخَلَايَا السَّرَطَانِيَّة .. لَقَدْ كَانَ الْعِلَاجُ قَاسِيًّا بِكُلِّ مَا تَحْمِلُهُ هَذِه الْكَلِمَة مِنْ مُعَانَاة .. احْمِرَار وَالْتِهَاب فِي الْجِلد، نُقْص فِي عَدَد كُرَيَّات الدَّم، تَقَرُّح الْفَم، فُقْدَان الشَّهِيَّة، التَقَيُّؤ المُسْتَمِر، الصُّداع، الْإِرْهَاق … فَقَدْتُ كَثِيرًا مِنْ وَزْنَي وَتَوَالَت الْعَمَلِيّات الْجِرَاحِيَّة بَعْدَ أَنْ اكْتَشَفَ الْأطِبَّاء أَنَّ لَدَيَّ جِين وِرَاثِي هُو سَبَب إِصَابَتِي بِالسَّرَطَان وَبِأَنَّ نِسْبَةَ الشِّفَاء لَا تَتَعَدَّى 30 بِالْمِئَة فَقَرَّرْتُ اسْتِئْصَال الثّدْي الثَّانِي وَالرَّحِم كَيْ لَا يَنْتَشِرَ الْمَرض .. كَانَ قَرَارًا صَعْبًا لَكِن كُنْتُ كَالْغَرِيق أُحَاوِل النَّجَاة بِأَيّ طَرِيقَة ..

رَضيتُ بِالْواقِع وَاجْرَيْتُ 18 عَمَلِيَّة جِرَاحِيَّة .. لَمْ أَيْأَس وَلَمْ أَرْضَخ، بَلْ وَاجَهْتُ مَصِيرِي بِكُلِّ شَجَاعَة وَأَمَل .. حَاوَلْتُ أَنْ أُغَيِّرَ مِن حَيَاتِي وَأَفْرِضَ وُجُودِي حَيْثُ إِلْتَحَقْتُ بِالمَعْهَد الْمُوسِيقي وَدَرَسْتُ الْعُلُوم الْمُوسِقِيَّة، كُنْتُ أُقَسمُ وَقْتِي بَيْنَ مَسْؤُلِيَّة الْمَنْزِل وَالْمُسْتَشْفَى وَالْمَعْهَد فَتَعَلَّمْتُ الْعَزْفَ عَلَى آلَة البيَانُو، ثُمَّ بَدَأْتُ فِي دِرَاسَةِ الْمَسْرَح وَكِتَابَةِ الشِّعْر .. بَنَيْتُ لِنَفْسِي عَالَمًا جَمِيلًا كُلّه أَمَل .. غَيَّرْتُ مِنْ نِظَامِ حَيَاتِي .. صِرْتُ أَقْوَى .. تَصَالَحْتُ مَعَ نَفْسِي وَعَشِقْتُ الْوُجُود .. تَمَكَّنْتُ مِنَ التَّغَلُّبِ عَلَى الْمَرَض وَصِرْتُ أَخْضَعُ لِلْفُحُوص الرُّوتِينِيَّة كُلّ سِتَّة أَشْهُر .. لَمْ أَعُد أُفَكِّر فِي الْمَرَض الْآنَ وَأُحَاوِل فِي أَبْسَطِ الظُّرُوف أَنْ أُثْبِثَ لِنَفْسِي وَلِلْكُلّ أَنِّي قَادِرَة عَلَى التَّغَلُّب عَلَى كُلِّ الصِّعَاب .. فَالله مَعِي وَدَائِمًا مَعِي ..

عَلَيْنَا أَنْ نُوَاجِهَ الْحَيَاة بِكُلِّ تَفَاصِيلِهَا .. أَنْ نُحِبَّ أَنْفُسنَا .. أَنْ نُعَانِقَ أَحْلَامَنَا .. فَالْأَمَلُ لَا يَأْتِي مِن فَرَاغ بَلْ بِالْإيمَان وَالْإِرَادَة وَالثِّقَة وَالصَّبر ..

هَكَذَا عَلَّمَتْنِي الْحَيَاة .. أَنّ الْإِرَادَة تَصْنَعُ الْمُسْتَحِيل وَالثِّقَة بِالنَّفْس تَجْعَلُ الْمُسْتَحِيلَ مُمْكِنًا، وَعَلَّمَنِي الْمَرَض أَنْ أُحِبَّ الْحَيَاة كَمَا عَلَّمَتْنِي أُمِّي .. أَنْ أُوَاجِهَهَا كَمَا عَلَّمَنِي أَبِي .. وَأَنْ أُعَانِقَهَا كَمَا أرَاهَا أَنَا.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here