Home Slider site نساء ومضامين ناعمة.. كيف تغزو إسرائيل الشعوب العربية عبر مواقع التواصل؟
تواكب إسرائيل التطورات بالعالم العربي من خلال رصد مواقع التواصل الاجتماعي، وتسعى من خلال وحدات خاصة إلى التأثير على الرأي العام العربي لصالحها، فيما تستغل نجومية نساء إسرائيليات للتمهيد للتطبيع والتواصل مع الشباب في دول عربية مختلفة.
منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2017 حين كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في زيارة إلى بلدة “عين ماهل” العربية في الجليل، وبينما تظاهر المئات من سكان البلدة وقرى عربية مجاورة رفضاً لهذه الزيارة، صعد نتنياهو إلى المنصة وخاطب الحشد بقوله: “لتعلموا أن أطيافاً كثيرة في أغلب الدول العربية باتت أكثر تقبلاً لفكرة التعاون مع إسرائيل، كيف نعلم ذلك؟، ببساطة نحن نفحص ذلك ونواكب الأمر من خلال الإنترنت”.
تصريحات نتنياهو هذه جاءت في معرض ردّه على المتظاهرين ضدّه، لكنها كشفت في حينه عن مدى سعي إسرائيل للتواصل مع الشعوب العربية عبر شبكة الإنترنت، ومدى تأثير هذا التواصل الذي ثبت بعد سنين وتجسد في بعض مشاهد التطبيع الواضحة مع الاحتلال.
لكن المحاولات الإسرائيلية لاختراق العالم العربي لم تبدأ منذ عصر الإنترنت فحسب، فلإسرائيل تاريخ عريق وحكاية مستمرة بالتطور مع الإعلام الموجه، إذ وجدت إسرائيل نفسها بعد إعلان وثيقة استقلالها عام 1948 كياناً غريباً عن المنطقة من دون أي امتداد ثقافي أو عرقي أو ديني. وتعزز ذلك الشعور لدى قادتها عقب العدوان الثلاثي الذي شنّته على مصر بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا في 29 أكتوبر/تشرين الأول عام 1956، إذ شهدت الدول العربية في حينه موجة غضب عارمة ضد الاحتلال الإسرائيلي وارتفعت حدّة التصريحات وعمليات المقاومة الفردية والمنظمة ضده.
بعد انتهاء أزمة العدوان الثلاثي وفي العام نفسه قررت الحكومة الإسرائيلية تشكيل لجنة تعرف باسم “دعم البث باللغة العربية” ترأسها مستشار رئيس الوزراء للشؤون السياسية يتسحاق نافون، وجرت الاستعانة بخبراء باللغة العربية والإعلام من ضمنهم موشي شوشان وشاؤول بار حاييم واتفق على إطلاق ما عُرف باسم “راديو صوت إسرائيل” باللغة العربية، والهدف هو التواصل مع العالم العربي وشعوب المنطقة.
كان الهدف الرئيسي من الراديو في حينه هو تسليط الضوء على “قوة إسرائيل” وإقناع شعوب المنطقة بأنها كيان لا يزول بالقوة أو بغيرها، ثم محاولة غزو الشعوب العربية من خلال تقديم النظام الإسرائيلي على أنه نظام ديمقراطي حر وتبديل قناعات العرب ضد إسرائيل إلى قناعات إيجابية.
وتواصلت مساعي إسرائيل لغزو الشعوب العربية على مرّ السنين، إذ تضمنت نشرات الأخبار على القنوات الرسمية نشرات باللغة العربية، كما سعت لبث أفلام باللغة العربية في أيام الجمعة.
وكان اختراع الإنترنت بمثابة كنز استراتيجي بالنسبة إلى إسرائيل التي أدركت قوة هذه الشبكة وتأثيرها، وسعت لاستخدامها بشكل موجَّه لغزو العالم العربي، وطوّعت الشبكة لخدمتها على صعد مختلفة، أهمها العسكري والسياسي.
ويركز فريق صغير أنظاره على العالم العربي وهو يعمل في مساحة صغيرة وحوله عدة خرائط للشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإسرائيلية، وتتركز مهمة الفريق في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإقناع العرب بتقبل إسرائيل.
يقود الفريق حملة باللغة العربية عبر منصات مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام في إطار مسعى دبلوماسي متعدد المحاور للفوز بالقبول الشعبي في الشرق الأوسط. غير أن التغلب على عداء استمر عشرات السنين ليس بالمهمة السهلة، على الرغم من اقتناص إسرائيل في الشهور الأخيرة صفقات تاريخية توسطت فيها واشنطن مع حكومات الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
وتأكدت ضخامة مهمة الفريق في الآونة الأخيرة بالانتقادات التي انتشرت على الإنترنت بعد ظهور صور الممثل ومغني الراب المصري محمد رمضان مع شخصيات إسرائيلية في دبي على وسائل التواصل الاجتماعي في نوفمبر/تشرين الثاني مع مقطع فيديو يظهر فيه الضيوف وهم يحتفلون بينما تتردد في الخلفية أغنية يهودية.
وأعاد فريق التواصل الاجتماعي الإسرائيلي نشر الصور من حساباته الرئيسية على فيسبوك وتويتر ومنها صور لرمضان وهو يلف ذراعه حول مغني البوب الإسرائيلي أومير آدم مع تعليق يركز على مقولة إن الفن يجمع الشعوب.
ويسلم مسؤولون إسرائيليون بتحديات المهمة في منطقة ينتشر فيها التأييد على نطاق واسع للفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي أو لاجئين في أنحاء الشرق الأوسط.
يقول يوناتان جونين الذي يرأس وحدة التواصل الاجتماعي باللغة العربية في مقابلة نشرتها وكالة ريترز إن الفريق نشر صور رمضان مع الشخصيات الإسرائيلية لإظهار التطبيع بين الإسرائيليين والعرب.
وسلم بأن الضجة التي أثارتها الصور مخيبة للآمال لكنه قال إنه كانت توجد ردود إيجابية أيضاً وإن “الأمر يستغرق وقتاً والناس يغيرون آراءهم على مدى أجيال”.
بدوره يزعم أوفير جندلمان المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي أن أعداداً متزايدة من العرب ترى في إسرائيل حليفاً وأن كثيرين يبدون تأييدهم على الملأ على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويتابع جندلمان: “مع اتساع نطاق السلام الإقليمي تتزايد أهمية مخاطبة جيراننا بلغتهم”، مضيفاً أن إسرائيل تعتزم التوسع في مساعي التواصل باللغة العربية.
محتوى ناعم!
ويضم الفريق الإسرائيلي الذي يعمل في وزارة الخارجية باللغة العربية عشرة أفراد من اليهود والعرب، وتتضمن حملة يقودها مؤخراً رسائل تستخدم فيها كلمة “سلام” العربية و”شالوم” المقابل العبري لها وتنطوي على ما يصفه جونين بأنه “محتوى ناعم” مثل الموسيقى والطعام والرياضة. كما يبث الفريق منشورات عن خصوم إسرائيل مثل إيران وحركة حماس وجماعة حزب الله.
وتأسست الوحدة العاملة باللغة العربية في 2011، وهو العام نفسه الذي أطلقت فيه وزارة الخارجية الإسرائيلية صفحة “إسرائيل بالعربية” على موقع فيسبوك.
يوضح جونين أن الفريق ينشر في الوقت الحالي ما يصل إلى 700 منشور على وسائل التواصل الاجتماعي في الشهر أي ما يزيد ما بين 15 و20% على ما كان ينشره قبل اتفاقات التطبيع.
ويقول إن الهدف هو خلق “تواصل وتفاعل وحوار” مع الجماهير العربية. وقال إن فريقه يصل إلى 100 مليون شخص شهرياً من خلال حسابات التواصل الاجتماعي، وهو ما يعادل مثلَي العدد المسجل قبل عام.
سياسة فاشلة.. من يقنع العرب بالاحتلال؟
ومع ذلك لا تزال إسرائيل تواجه معارضة واسعة النطاق للتطبيع التي تبذله في المنطقة التي يعيش فيها أكثر من 400 مليون نسمة يتحدثون باللغة العربية.
ونقلت وكالة رويترز عن مايكل روبنز من شبكة الباروميتر العربي المتخصصة في الأبحاث التي تدرس الاتجاهات في مختلف أنحاء العالم العربي أن مسحاً أجرته الشبكة بعد التطبيع في المغرب والجزائر وتونس وليبيا والأردن ولبنان أشار إلى أن جهود إسرائيل وحلفائها في المنطقة “لم يكن لها تأثير يذكر على آراء المواطنين العاديين”.
ويضيف أن الشبكة تفتقر إلى بيانات من دول الخليج التي لا تسمح لها بتوجيه أسئلة يرد فيها اسم إسرائيل، لكن الاتجاهات في الدول التي أجرت فيها الشبكة مسوحاً لم يطرأ عليها تغيُّر يذكر عن السنوات السابقة.
ويوضح روبنز: “عموماً هذه النتائج تشير إلى أن استراتيجية إسرائيل لكسب القلوب والعقول تُمنى بالفشل. فقلة قليلة من المواطنين العرب لها آراء إيجابية في إسرائيل بغض النظر عن السن أو الجغرافيا”.
الوحدة 8200
منذ انطلاق الربيع العربي عام 2010 بدأت إسرائيل تعي جيداً تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الفئة الشابة، وسعت من خلال تلك الثغرة لاستغلال شبكات التواصل لجمع المعلومات ومحاولة التأثير على الرأي العام وتجنيد مخبرين.
وأوكلت هذه المهمات إلى الوحدة 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية التي تصل الليل بالنهار لرصد مواقع التواصل الاجتماعي في الدول العربية.
ويشير موقع “ذا ماركر” الإسرائيلي إلى أن الوحدة المذكورة تعمل على جمع معلومات استخباراتية من شأنها أن تكوّن صورة واضحة لدى الأجهزة الأمنية حول توجهات الشعوب العربية، ويذكر أن في كل قسم تابع لهذه الوحدة هناك المئات من المصادر التي تجري متابعتها.
تقول الضابطة “ر” المسؤولة عن وحدة “حيتسف” التابعة لـ8200 إنه وإلى جانب جمع المعلومات الاستخباراتية، تعالج الوحدة قضايا أخرى مثل “التسويق لإسرائيل”، ومكافحة محاولات “نزع الشرعية” عنها. ولعل البداية كانت من أحداث سفينة مرمرة التركية التي ارتكبت إسرائيل على متنها مجزرة بحق نشطاء سعوا لكسر حصار غزة، إذ سعت تل أبيب في حينه لتشكيل وحدة خاصة تعمل بالتنسيق مع الجيش والمستوى السياسي ووزارة التسويق.
وعملت الوحدة في حينه على جمع المعلومات حول تأثير تلك المجزرة ومد الجهات المعنية فيها للرد بصورة مهنية عليها ومحاولة تسويق الرواية الإسرائيلية عبر منصات التواصل الاجتماعي لتبرير المجزرة، في ظل موجة الغضب العارمة التي اجتاحت مواقع التواصل وكمية المنشورات الهائلة التي هاجمت إسرائيل.
ويشير الموقع إلى أن الوحدة 8200 تتلقى تعليمات مباشرة في أحايين كثيرة من مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حول أحداث بعينها، كما تزود الوزارات المختلفة بمضامين خاصة حول نشاط مواقع التواصل الاجتماعي في الدول العربية، وتستغلها وزارة الخارجية لمعرفة “التيار” الذي تمضي فيه وسائل التواصل، بالتالي بث مضامين ذات علاقة من وجهة نظر إسرائيلية.
نساء لتسويق التطبيع!
قبل أن تقلع الطائرة الإسرائيلية الأولى إلى دبي بدأت مجموعة من النساء الإسرائيليات التسويق للتطبيع بين إسرائيل والدول العربية من خلال حساباتهن المشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويشير موقع “ماكور ريشون” الإسرائيلي إلى أن “نجمات التواصل” سعين من خلال بث فيديوهات وتدوينات ذات علاقة بالطعام والموسيقى والفن والملابس لتهيئة الأرضية لدى الشعوب العربية لتقبل التطبيع.
وحسب الموقع نجحت “النجمات” في فرض نقاش واسع على مواقع التواصل حول إسرائيل والعرب، واستطعن التواصل مع الكثير من العرب الذي تقبلوا الفكرة وأرادوا التواصل مع الإسرائيليين، كما سعين لخلق روابط جديدة بين العرب واليهود ومحاربة الخطاب المناوئ للاحتلال.
مارون طال تعد إحدى هؤلاء النجمات، واجتهدت خلال الفترة الأخيرة لبث الكثير من أغاني أم كلثوم وفريد الأطرش وفايزة أحمد على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي من أجل جذب المزيد من المتابعين العرب.
تقول: “في الآونة الأخيرة صرت أجلس حول الطاولة مع عائلتي، وأتحدث مع متابعين من دبي والكويت والعراق والبحرين، حتى إنني صرت أحظى بمتابعة سياسيين وسفراء عرب وأحاول تصحيح الكثير من المعلومات المسبقة لديهم”.
من جانبها افتتحت الإسرائيلية سميدار إلعيني صفحة على فيسبوك أطلقت عليها “همزة الوصل”، تتواصل من خلالها مع العالم العربي وتشجع على التطبيع وتحاور المتابعين العرب من كثب.
تقول إلعيني: “من خلال صفحتي لا أتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، بل أحاول التقرب من خلال الثقافة والفن والأدب والموسيقى، هذه الأدوات التي تمد جسور التواصل بيننا”.
وتضيف: “مواقع التواصل استطاعت تشكيل ثورة حقيقية وفتحت الأبواب أمام العالم، صحيح أن لدى وزارة الخارجية الإسرائيلية طاقم خاص، لكننا أيضاً حققنا عبر صفحاتنا إنجازات مهمة جداً، كثيرون يقولون إن التطبيع مع السودان والبحرين والإمارات جاء بسبب نشاطنا باللغة العربية على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ نجحنا في تسويق إسرائيل التي كان اسمها مرتبطاً بالماضي بالاحتلال وفجأة صارت دولة أخرى تحظى باحترام دول عربية”.
ولا يتوقف عمل النجمات الإسرائيليات على تمهيد الطريق أمام التطبيع وتقبُّل إسرائيل لدى العرب، تقول إلعيني: “يوجد من تواصلوا معهم للانضمام إلى جهاز الموساد الاستخباراتي”.