قد يعتقد البعض أن كتابة قصة أو مقالة أو أي شكل آخر من الكتابة يحتاج إلى قلم وورقة فقط، لكن الكاتب الحقيقي لا تكفيه هذه الأدوات، فهو محتاج إلى أداة تساعده على ترجمة أفكاره والتحدث مع القارئ وقبول بطاقة تقييم الناقد.
إذا كنت ترغب في الوصول إلى أعلى سلم النجاج، فاعلم أن الطريق طويل جدا. عليك أولا أن تقرأ الكثير من الكتب، وأن تكون مطلعا على فن الكتابة، ومُواكبا لأخبار الساعة، ومقتنعا بمضمون كتاباتك.
الكتابة بالنسبة لي ليست فقط ذلك العالم الذي أتجول فيه بحرية، وأرش فيه عطر الورود، وأزرع فيه فواكه المحبة والسلام. إنها ابنتي التي أعتني بها كي يراها القارئ عروسا تستحق الاهتمام، ولكي يصل صوتي إلى أكبر عدد من القراء، مهما كانت لغتهم، وجنسياتهم ودياناتهم. إذا رغبت بمعرفة الخطوات التي أتبعها كي أنجب كل مرة نصوصا تلقى إعجاب الكثير من القراء، فعليك بالاطلاع على خطوات الكتابة التالية:
١- الفكرة:
أول درجات سلم الكتابة هي الفكرة. قبل أن تقوم بأي عمل، عليك أولا تحديد موضوع عملك والهدف الذي ترغب في الوصول إليه. اسأل نفسك:
-“ما هي الرسالة التي ترغب بتوجيهها للقارئ؟”.
-“هل الموضوع يستحق المغامرة وحمل سلاح القلم ذي الحدَّيْن؟”.
٢- تحديد نوع القراء:
عندما تعرف نوع الضيوف واهتماماتهم، تحضر لهم الأكلات التي يحبونها، فإذا كان الضيوف يحبون المأكولات الدسمة، لاتحضر لهم السوشي. نفس الشيء بالنسبة لكتاباتك، إذا كان قراؤك يتحدثون اللغة العربية، لا تكتب نصوصا باللغات الأجنبية، والعكس صحيح.
واجعل موضوعك يناسب ذوق قارئك، فالقراء أنواع:
القارئ الواعي: وهو المثقف الذي يختار كتبه بعناية، يقرأ ليستفيد ويفيد غيره، يتناقش مع أصدقائه في مضمون الكتاب، وينتقد أفكار الكاتب. هذا النوع من القراء، ضليع في اللغة، متخصص في إحدى المجالات الثقافية. إذا ناقشته في كتاب، استدل بمقولات لكتاب معروفين، لأنه يتذكر مضمون الكتب التي يقرأها.
قارئ العالم الافتراضي: لا يهتم بمصداقية ما يقرأه، لا يتأكد من مراجع ومصادر المعلومات التي يقرأها. النصوص القصيرة والمقتضبة هي حصيلته الثقافية، وقد ينسى ما قرأه، لأن ذاكرته لا تخزن المعلومات الثقافية.
القارئ المنغلق: وهو الذي يقرأ الكتب التي توافق ميولاته وعاداته الاجتماعية، ويرفض كل ما يتناقض مع معتقداته وعقيدته. هذا النوع من القراء، شبيه بالذي يرفض نظرية داروين لأنها تخالف العقيدة الإسلامية.
القارئ المتهاون: أو صاحب الذوق السمعي والبصري. قراءة الكتب ترهقه، لايصر على حصاد المعرفة بطريقة سهلة، لم لا والتكنولوجيا وفرت له الكتب السمعية والمرئية. وهو شبيه بالكسول الذي لايستطيع قراءة النصوص الطويلة، وقد لا يكمل قراءة كتاب ما، وينتقل إلى آخر وكأنه يبحث عن شيء مفقود بين السطور.
القارئ السطحي: لا تغريه الكتب التي لم تحصل على جوائز، وكأن الجائزة هي معيار نجاح المُؤلف. وقد يشده عنوان الكتاب أو غلافه فيقتنيه دون الاهتمام بمضمونه، وقد لايقرأه، بل نجده يزين مكتبته كمظهر من مظاهر الزينة.
القارئ الجبان: يلجأ للقراءة خوفا من مشاكل وهروبا من واقع لايجد فيه نفسه. وهو قارئ حالم، وعاشق لقراءة الروايات والقصص والدواوين الشعرية التي تمنحه بطاقة لعب أدوار أبطال المُؤلَّفات التي يقرأها.
القارئ البخيل: يستعير الكتب ولا يرجعها لصاحبها، ولا يصرف درهما على كتاب مهما كانت أهميته. وقد ينسى ما قرأه، لأن الذي يغريه ليس مضمون الكتاب، بل امتلاك شيء حصل عليه دون عناء.
القارئ الطفل: هو القارئ الفضولي والمبهور بالكتاب شكلا ومضمونا. هو الطفل الذي تعلم القراءة منذ نعومة أظافره. يرى الكتاب مثل لعبة جميلة عليه معرفة أسرارها والاعتناء بها.
وهذا النوع من القراء يحتاج لكاتب ذكي، يوصل له المعرفة فوق طبق يشبه سجادة علي بابا.
٣- البحث عن المعلومات التي لها علاقة بمضمون المُؤلَّف:
اهتمامات القراء متنوعة، منهم من يهتم بالأدب، يقرأ الدواوين الشعرية والروايات. ومنهم من يفضل الكتب الفكرية والفلسفية، وآخرون يواظبون على قراءة كتب الفقه والأصول. وطبعا هناك نوع آخر من القراء، يبحث عن الحقيقة في الكتب العلمية أو الاقتصادية أو التاريخية.
فإذا عرفت نوع قرائك، اخترت لهم الحبر الذي يناسب ذوقهم، وقدمت لهم هدية تليق بعقولهم، وبحثت عن مراجع ومصادر المعلومات التي تستعملها في حياكة مؤلفك.
٤- تنظيم المعلومات ووضعها في القالب الذي يخص القارئ:
كتابة القصة تختلف عن كتابة الرواية، ولكل سرد خصائصه. فالقصة تعتمد على التكثيف والتركيز، أما الرواية فتتميز بالتفصيل.
والرواية هي انتقال بين الواقع والخيال، ينسج الكاتب فيه أحداث حكايته بشكل متقن شبيه بالواقع الذي يعيشه، تاركا القارئ يبحر في حبك روايته، وكأنه أحد أبطال الرواية.
طبعا توجد روايات واقعية كالروايات التاريخية والسيرة الذاتية.
أما الكاتب الذي يكتب المقالات، فعليه متابعة الأخبار، والبحث عن المعلومات الصحيحة وتدوين المراجع التي يستدل بها في نصوصه.
٥- كتابة المسودة:
بعد تحديد الفكرة، ومعرفة نوع القراء، وجمع المعلومات وتنظيمها في القالب الذي يليق بها، حان وقت كتابة المؤلف.
النسخة الأولى يعتبرها الكثير من الكتاب “مسودة” ، لأنها تحتاج إلى تدقيق وتحرير لغوي.
٦- تدقيق المسودة وكتابة النص (مقال، قصة، رواية.. إلخ):
النص الوحيد الذي يمكن نشره دون تنقيحه هو النص الذي ينشر في الصفحات الفيسبوكية، والتويترية والأنستغرامية، لأن نوع القارئ لايهتم بقواعد اللغة ولايشجع الكاتب. القارئ الفيسبوكي يهتم بالنصوص القصيرة، والفيديوهات والصور.
إذا كان قراؤك يهتمون باللب أكثر من القشور، فعليك أن تبذل جهدا وتعيد قراءة كتاباتك، تصحح الأخطاء اللغوية، وتجلس على كرسي القارئ، تقرأ عباراتك وكأنك تقرأ كتابا لكاتب آخر.
ليس كرسي القارئ وحده ما ستجلس عليه، هناك كراسي أخرى تنتظرك: كراسي الأبطال. عليك أن تتقمص شخصيات أبطال روايتك.
أما كتابة المقال فلا تحتاج إلى الجلوس على كراسي الأبطال والقراء، لكن عليك التأكد من مصداقية ما تكتب.
وفي كل الحالات عليك كتابة نصوصك، لا تُعِدْ كتابة ما كتبه غيرك، حتى لا تقع في دائرة السرقة الأدبية، واكتب بأسلوبك، لا تترك الآخرين يلونون حروف عباراتك.
٧- قراءة النص وتصحيحه:
الكتابة فن جميل، إذا منحناه اهتمامنا، كان مغناطيسا يجذب القراء إليه. وكلما اهتم الكاتب بأدق تفاصيل كتاباته، كلما ازداد عدد قرائه، واهتم النقاد بمنتوجه الأدبي .
والكاتب المتواضع هو الذي يمنح شرف قراءة نصوصه لبعض معارفه. وبعض الكتاب يفضلون منح متخصصين بطاقة التدقيق اللغوي.
٨- اختيار عنوان المؤلف:
العنوان هو مفتاح المؤلف. لذا يجب اختيار عنوان جذاب. ويستحسن اختيار العنوان بعد الانتهاء من العمل الأدبي، لأن العنوان يجب أن يكون مرآة المُؤلَّف.
أهمية العنوان تعادل أهمية غلاف الكتاب. فالغلاف هو عنوان رمزي للعمل الأدبي، لذا يجب اختيار ألوان تناسب مضمون الجنس الأدبي.