دخلت علي مكتبي باكية حزينة تجر طفلا رضيعا في عربته الصغيرة ويحيط بها طفلان آخران تتراوح أعمارهما بين ثلاث وخمس سنوات.طلبت منها الجلوس ..ترى ما الخبر؟
كانت أما لإحدى التلميذات التي تدرس بالثانوية التي أعمل بها ..كان والد الفتاة قد حضر قبل ذلك إلى المؤسسة وتحدث بشكل غير لائق عن الأم وابنتها متهما هذه الأخيرة بالفساد ومتهما الأولى بتحريضها عليه،لمجرد أن الفتاة تمتلك هاتفا محمولا تتواصل به مع أصدقائها وصديقاتها في المدرسة. يبدو أن الفتاة تخوفت من ردة فعل الإدارة ومن نظرتها إليها بعد كل ما قاله أبوها عنها. لقد كان كما توقعت شخصا أميا جاهلا يتعاطى المخدرات والكحول ومريضا نفسيا يشك في تصرفات زوجته وفي كل المحيطين به. طمأنتها وشرحت لها بأننا نتفهم مثل هذه الأمور وبأن الفتاة مواظبة على الدراسة وخلوقة وبأنه لا داعي للقلق على الإطلاق. فوجئت بها تنهار شيئا فشيئا وخصوصا بعدما لاحظت تفهمي و تجاوبي معها ..فأخذت تعيد على سمعي بأنها مستعدة لأن تنفصل عنه رغم أنها أنجبت منه ستة أطفال ..تألمت وتحسرت على حالها بعدما علمت أنها لا تعمل ولا تتوفر على أي دخل وأنها تنحدر من أسرة جد فقيرة وأن زوجها أيضا ليس له دخل قار ومريح يمكنه من النفقة عليها وعلى أبنائه بشكل صحيح قبل الانفصال فما بالك بعده!
بعدما غادرت لم أستطع منع نفسي من التفكير في كل هؤلاء النساء اللاتي يضطرهن الفقر للعيش مع أزواج يهينوهن وينتقصون من شأنهن ..فكرت أيضا في” الضاوية” تلك المرأة الستينية المسؤولة عن التنظيف التي تمشي أكثر من خمس كيلومترات كل صباح قبل أن تصل إلى المؤسسة. ” الضاوية ” التي أخطأها الاسم لأن حياتها لا تحتوي على أية أضواء ! كل ما جادت به الحياة عليها بضعة أبناء عاقين يزيدونها هما على هم وزوج يضربها ويشتمها ويحقرها بسبب وبلا سبب. لم يعد جسمها المتعب يتحمل الضرب والإهانة من رجل لم تعد ملامح هذه المرأة المنهكة تغريه بشيء ولا حتى بالإشفاق عليها .
أخبرتني أنها اشتكته غير ما مرة إلى الشرطة طالبة منهم ردعه أو إرغامه على مغادرة البيت الذي هو في الأصل بيتها،لكن دون جدوى . شرحت لها بأنها تحتاج لمحام ليدافع عنها ..لكنها – كما قالت بنفسها – لا تستطيع توفير أتعابه.
سألت نفسي : ترى من يدافع عن كل هؤلاء النساء الفقيرات اللاتي لم يضف لهن الزواج غير العبودية والقهر؟ إلى متى سيظل زوج الضاوية يضربها ويسيء إليها ويحتقرها ؟ إلى متى سيظل بعض الرجال ينظرون إلى الجنس الآخر على أنه عدو ؟وإلى متى سيبقى الأبناء ضحايا التهميش والفقر والأمية التي عانت منها الأجيال السابقة وما زالت تعاني منها الأجيال اللاحقة؟