حوار مع الدكتور وليد سرحان استشاري الطب النفسي حول “الخرف” :
دوما نعتقد أن الخرف يصيب الأشخاص بعمر الشيخوخة، وكثيرًا ما نخلط بينه وبين الزهايمر. وكم يعاني الجميع ليس فقط من الخرف بل من رعاية من أصابهم الخرف.. لنلم بجوانب الموضوع كان حواري مع الدكتور وليد سرحان استشاري الطب النفسي في الأردن..
1- ما هو الخرف وهل له أنواع ؟
الخرف هو تدهور في القدرات العقلية والذاكرة بشكل خاص القريبة والبعيدة ومخزون المعلومات، مما يؤثر على السلوك والشخصية، ويؤدي إلى تكرار الأسئلة في البداية، ونسيان الأحداث القريبة والتحدث عن الماضي، وقد يترافق هذا مع أعراض كآبة أو شكوك وهلاوس. الخرف مرض يتقدم ويكون هناك تدهور واضح كل عدة شهور، وفي نهايته فهو يصل بالشخص إلى عدم معرفة اسمه أو أفراد عائلته أو المكان والزمان.
أما الخرف فله أنواع عديدة أشهرها خرف الزهايمر والخرف الوعائي وخرف أجسام لوي وخرف مرض باركنسون، وغيرها تصل إلى حوالي 50 نوعا، ولكن الزهايمر هو الذي يشكل 70% من الحالات.
2- ما هي المناطق التي تتأثر بالجسم لتسبب الخرف ؟
الخرف هو مرض يصيب الدماغ وتحديداً أجزاء الدماغ المسؤولة عن الذاكرة والتوجه الزماني والمكاني، ويحدث بها ضمور وموت للخلايا العصبية، وخلل في الناقلات العصبية يرافق ذلك ونتيجة له تظهر الأعراض.
3- ماهي أسباب الخرف ؟
الخرف هو مصطلح عام يشير إلى الصورة السريرية، أما الأسباب فهي الأمراض العديدة التي سبق ذكرها والتي في مجملها تؤدي إلى تلف الخلايا العصبية وموتها وضمور مناطق هامة في الدماغ، وتلعب في هذه الأمراض التي تؤدي إلى الخرف أدوار مختلفة مثلا في الزهايمر التغيرات الكيماوية وهناك بعد وراثي، بينما في الخرف الوعائي فالتأثير المباشر يكون نتيجة ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين، والكثير من الأمراض الأخرى لا يعرف سببها ولكن مرض جاكوب كروتسفيلد الذي يمكن القول بأنه ناتج عن فايروس بطيء يأتي من البقر وهو نادر الحدوث لا يزيد عن 1 لكل مليون من البشر.
4- هل يحدث الخرف فجأة أو بالتدريج ؟
عادةً ما يحدث الخرف بالتدريج وبشكل بطيء في البداية، حيث أنه يبدأ بتكرار بعض الأسئلة ونسيان بعض الأشياء البسيطة، وتتدرج في المراحل الأولى بشكل بطيء إلى أن تصبح واضحة على مدى سنتين أو ثلاثة، ثم يزداد تسارع ظهور مظاهر الخرف واشتداد قوتها.
أحيانا عندما يبدأ الخرف بشكل مفاجئ نتيجة السكتات الدماغية التي تؤدي إلى تلف منطقة في الدماغ ويعقبها ضعف في الذاكرة وتتحسن تدريجياً، ولكنها لا تعود كما كانت عليه، وكلما تكررت سكتة دماغية أخرى وهي إغلاق في بعض شرايين الدماغ كان هناك تدهور وهذا يحدث في الخرف الوعائي.
5- ماهي أعراض الخرف المبكر ؟
الخرف المبكر يبدأ بتغيرات بسيطة بالذاكرة قد لا تكون ملحوظة أكثر من التغيرات العادية مع تقدم السن، من نسيان أسماء بعض الشوارع، وبعض الأماكن إلى نسيان الرقم السري للهاتف، ولكن المقربين من المريض يبدأون بملاحظة تغيرات في بعض عاداته فقد يقل اهتمامه بما كان يهتم به، فسيدة البيت قد يقل اهتمامها بالطبخ أو بمتابعة الصلاة، أو الرجل قد يقل اهتمامه بالخروج إلى المسجد أو القراءة، كما يلاحظ مبكراً أن وجود الكثير من الناس وحدوث ضجيج يربك المريض، يمكن أحيانًا أن نقول أن الخرف مبكر ليس كأعراض مبكرة ولكن مبكر في حدوثه قبل الستين من العمر.
6- هل الخرف يصيب فقط كبار السن ؟
لا، الخرف بشكل رئيسي يصيب كبار السن ولكن هناك خرف مبكر يصيب دون من هم دون سن الستين، ونادراً وقد يبدأ أحياناً في الثلاثينات من العمر.
7- البعض يخلط بين الخرف والزهايمر كيف يمكن التفريق بينهما ؟
إن الزهايمر هو احد أسباب الخرف، وبالتالي فإن التشخيص السريري غالباً ما يكون خرف من نوع الزهايمر، ولكن التشخيص الدقيق يتطلب أخذ عينة من الدماغ حتى تصنف الأنواع وهذا غير ممكن، ولكن بالمظاهر السريرية العادية فإن الطبيب قادر على أن يرجح كفة أحد أنواع الخرف والفروق بين الأسباب المختلفة للخرف من الزهايمر والخرف الوعائي وغيره، تختلف في بداية الأعراض لكنها تختلط فيما بعد.
8- هل يمكن الوقاية من الخرف ؟
يمكن التخفيف من حدوث الخرف من نوع الزهايمر أو الخرف الوعائي وذلك بالمحافظة على الصحة الجسدية والنفسية والعلاقات الاجتماعية، وذلك بممارسة الرياضة والاختلاط بالناس وعدم التوقف عن القراءة والتعلم، وإذا كان هناك أمراض مزمنة مثل الضغط أو السكري وارتفاع الدهنيات يجب أن تكون تحت السيطرة لمنع حدوث احتمال السكتات الدماغية والخرف الوعائي.
9- هل تلعب الوراثة دورها بالخرف ؟
نعم تلعب دورها مع عدة عوامل من الخرف وخصوصاً الزهايمر، هناك جزء من الزهايمر يسمى الزهايمر العائلي.
10- من هم الأكثر عرضة للخرف ؟
عموماً النساء أكثر عرضة من الرجال ولكن الرجال يتفوقون بالخرف الوعائي، كما هو معروف أيضاً بأن عمر المرأة المتوقع أعلى من عمر الرجل مما يعطي فرصة أوضح لزيادة عدد النساء المصابات بالخرف.
11- هل هناك مضاعفات للخرف ؟
بالتأكيد له مضاعفات نفسية، سلوكية، وجسدية، فمن الناحية النفسية الخرف إضافة إلى تدهور الذاكرة والقدرات العقلية يؤدي إلى الاكتئاب والذهان، وسلوكياً هناك سلوكيات متعددة تحدث في الخرف، وجسدياً يبدأ الجسد بالضمور بشكل عام وينخفض الوزن برغم استمرار التغذية الجيدة.
12- هل هناك علاج للخرف ؟
بداية لا بد من التوضيح بأن بعض أنواع الخرف تكون أمراضا عضوية مثل نقص إفراز الغدة الدرقية أو نقص الفيتامينات أو خلل هرموني آخر، مما يعني أنه بتصحيح هذه المشاكل ينعكس الخرف وينتهي. وهذه فئة قليلة جداً، أما الخرف بشكل عام والزهايمر بشكل خاص الأكثر شيوعاً فان العلاجات المتوفرة تؤدي إلى تأخير التدهور وتخفيف الأعراض المرافقة وليس لإيقاف التدهور أو الشفاء.
13- كيف يمكن التعامل مع من أصابهم الخرف، وما هي النصائح التي يمكن تقديمها لمن يتعامل مع المصابين بالخرف ؟
في الواقع النصائح كثيرة وأهمها معرفة الأسرة لطبيعة المرض وكونه يتطور بشكل مضطرد، مما يستدعي وجود مرافق مع المريض طوال الوقت، التوقف عن قيادة السيارة، إزالة المفاتيح من الأبواب ليلاً، إغلاق باب المطبخ خوفاً من دخول كبير السن إلى المطبخ والعبث بالغاز أو غيره مما يؤدي إلى مشاكل. عدم مناقشة والرد على كل ما يقوله المريض، وعدم طاعة المريض في كل ما يطلبه، فالمريض الذي يطلب بالذهاب إلى بيته في الثالثة صباحاً وهو في بيته لا ينصح بأن يؤخذ بالسيارة في جولة لأن هذا السبب ليس طلبا حقيقيا ولا واقعيا، كما أن البعض يقلق من فكرة أنه لا يطيع والده أو والدته.
وهنا أشدد على أنه في حالة الخرف فإن طاعة الوالدين تأتي من طاعة التعليمات الطبية لأن من أصابه الخرف فقد فقد الأهلية. وكما لا بد من الانتباه في التعامل إلى أن المريض بالخرف يبدأ تدريجياً في فقدان القدرة بالتعامل مع أمور حياته العامة والمالية خاصة، وبالتالي يجب أن يتم ترتيب هذه الأمور داخل الأسرة وإن تطلب الأمر الحجر الشرعي، وتعيين وصي لمنع حدوث استغلال لكبير السن، وتوقيعه على أملاكه أو التنازل عنها أو توكيل شخص آخر بها. والحجر ليس هو المفهوم الذي يعرفه الناس بل إن الحجر يعني أن تقوم المحكمة بحماية أموال هذا الشخص لتنفق عليه وتحفظ حق الورثة الشرعيين.
في النهاية أود القول بأن الخرف قبل ثلاثين عاماً لم يكن واضحًا في الممارسة الطبية النفسية في الدول العربية، لكن مع تقدم عمر الإنسان ووصول العمر المتوقع إلى السبعينات أصبح الخرف ظاهرة واضحة، كما أن توقف السكن للعائلة الممتدة في مكان واحد، زاد من فرصة عيش كبار السن لوحدهم أو مع زوجاتهم أو عيش كبيرات السن لوحدهن أو مع أزواجهن فقط، بعيداً عن الأبناء والبنات مما يرتب عليهم أعباء كانت في السابق العائلة الممتدة التي تعيش في نفس البيت تقوم بها ولم يكن يلاحظ التقصير.
لا بد من إعطاء الخرف اهتماما أكبر في المجتمع العربي، فهو مد قادم في السنوات القادمة لا محالة.