سيادة المسؤول وأعين الغربال..
تأملت الغربال جيدا، بدا لي شاسعا، جنباته تبدو بعيدة، تتضاءل في الأفق، أسلاكه تبدو كخيوط العنكبوت في الأسفل البعيد. وفي الأعلى أسلاك عتيدة إلا أنها عتيقة،
علق فيها عدد من أصحاب ربطات العنق، تبدو بطونهم ككرات “الريكبي”، منتفخة بأرزاق الصغار مثلي، إلا أن الأسلاك قد تقوست وقاربت على الاندثار، إنها على وشك الانهيار نظرا لقدمها. أولئك الغلاظ يرفضون النظر إلينا… لا يهبطون عندنا إلا مضطرين عند السقوط، آنذاك يبدون ظرفاء، مثاليين، حتى إذا ساهمنا في صعودهم، عاودوا نفس السيناريو : النظر إلى أعلى، والنسيان الشامل لهمومنا ومشاكلنا.
أما مباشرة تحت الغلاظ فلصوص صغار يمسكون بذيول أسيادهم، حتى إذا انفلتت الذيول من أيديهم، سقطوا بدورهم على رؤوسنا فيسببون لنا آلاما مبرحة.
أما نحن فلسنا ندري أية جاذبية تمسكنا وتحافظ على توازننا في الفضاء. نسبح كالرواد، نتطاير كشظايا الزجاج، نسقط تباعا إلى أسفل، فوق أسلاك الغربال، شكلها كقاعدة الغربال؛ عيون منتظمة، كانت قبل الآن ضيقة لا تخرج منها أجسامنا، أما بعد ذلك فقد وسعها سيادة المسؤول، وزاد من حركة المد والجزر حتى تساقط عدد لا يستهان به منا إلى أسفل. كانت عيون الغربال تسع جسم واحد منا، مع احتكاك جوانبه مع أسلاك العين…
كان لا ينفعه إن هو سقط إلا إذا فرد يديه كأنه مصلوب، ليبقى كذلك حتى ينهار بعد انقضاء الفضلات التي نرمي بها إليه، والتي تأتينا بدورنا من فوق، لا عن رضى وإنما عن سوء تدبير.
أما الآن فسيادة المسؤول وسع عين الغربال الدرجة التي لا تستطيع الإفلات من الهاوية، ولو اتخذت شكل المصلوب..
إن أعين الغربال اتسعت، اتسعت أكثر، والشباب يهوي إلى الدوامة كحبيبات القمح الفاسدة.