يوميات محجور عليه – سليمة فرجي

0
180

غاب نور البدر ولم يعد يبدد الظلام، زمن الحجر فرض استراحة أغمد خلالها المحاربون سيوفهم، وغادروا ساحات الوغى، ليجدوا أنفسهم جاثمين في مساكنهم يترجون حنو هاتف يثير الوجد ويحرك الشوق أو يصلهم بأصوات من غابوا عن الأعين، بل حتى الأصوات عبر الأثير غابت لتنوب عنها رسائل على الواتساب، من كان رحالا يطير من هذه البقاع إلى تلك، أصبح جاثما يكتشف زوايا بيته ويتأمل مشترياته التي لم يكن لديه الوقت الكافي للتمتع بها، إذ يعلم علم اليقين أن الطائرات جاثمة في المطارات، ووسائل النقل متوقفة، وقانون فرض الطوارئ صارم قد يسلب حريتك ليقودك من منزلك الفسيح الذي يمكنك من تحضير الوجبات ومساعدة الزوجة أو الأم، إلى السجن أو المستشفى.
لا ازدحام، ولا تأفف من أيّام الأسبوع أو فرح بنهاية الأسبوع، ولا مشاكل إدارية ولا تحرير ولا استيقاظ في الوقت الباكر، بإمكانك أن تنام الساعات الطوال وكأن الأمر يتعلق بالموت.
لا أحد يحاسبك، ولا أحد يشتاق إليك، لا مشاريع مستعجلة لديك بل حتى الآجلات القانونية أوقفها قانون الطوارئ الصحية.
أنت عزيزي المحجور عليك، خارج تغطية الزمن، الدولة الحارسة المنقذة وفرت لك كل شيء على المدى القصير، فاستفد من هذه الاستراحة وويل لك من استفاقة الزمن كما قال المرحوم المنفلوطي، تبعات بعد الحجر ثقيلة، الأجندات والجلسات ومكاتب الإدارة وقيادة السيارات وكثرة الالتزامات، ونقل الأطفال إلى المدارس وزيارات الأقارب وثورة الأعصاب أمام عقارب الساعات ومختلف المواعيد، وبين مراقبة الضوء الأخضر والأحمر تعتريك هواجس المسؤول الذي يفرض رأيه عليك، ويعاتبك على عدم إنجاز الأعمال على الشكل المطلوب.
أما عزيزاتي النساء فإن أمرهن سيكون صعبا لأن التعود على عدم الالتزام بمواعيد الإدارة وأماكن الشغل، والبقاء مع أفراد العائلة والتحرر من المساحيق والملابس الضيقة غير المريحة، كلها أمور أشعرتهن بالراحة وعدم الجري وراء عقارب الزمن ناهيك عن التقريع والتوبيخ وتشعب الالتزامات المهنية والأسرية، فهل فترة الحجر قيدت الحريات أم أنها أهم فترة جعلت الإنسان يشعر بالحرية المطلقة.
وقديماً قال الفلاسفة: المهم هو أن نعمل لكي نتحرر، ليس المهم أن نفني أعمارنا في البحث عن وجود الحرية.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here