Home ٱخر تحديث يوميات مواطنين مغاربة عالقين في بروكسل – مصطفى الأبيض
وأنت في قلب بروكسيل تحس بنفسك كأنك في بعض أحياء مدن مغربية، تارة في طنجة إذا مررت بحي أنيسانس وتارة في الريف إذا عبرت باب أندرلخت في اتجاه شوسي دو مونس. على مشارف باب أندرلخت، هناك متجر مشهور يحمل اسم أول متجر كبير فتح في الرباط على ضفاف نهر أبي رقراق، أزور المتجر مرة في الأسبوع لاقتناء بعض لوازم البيت. يوم الأحد الماضي دخلته فاستقبلني مديره السيد إبراهيم بابتسامته المعهودة وسألني هل لدي أخبار عن فتح الحدود؟ أجبته بنفس الابتسامة بأن جواب هذا السؤال يزن ذهبا ولا أحد يملك الخبر اليقين عنه. سألته عن حال أحد أقاربه بلغني أنه قد أصيب بالفيروس، فأجابني بأنه يتماثل للشفاء بفضل اتباعه لوصفة “من البلاد وعسل لبلاد”. أخدت حاجاتي لكنني لم أجد عنده طحينا رغم استقباله لكمية هائلة كل أسبوع من محلات موزعي المواد المغربية ببلجيكا. واقترح علي أن أزور متجرا كبيرا آخر بنفس الحي يحمل اسم أسواق سوس. وقال لي بأن هذا المتجر يوجد بجانب الفندق فان بيل حيث يقطن مجموعة من المغاربة العالقين في بروكسل.
أتذكر الفندق جيدا لأنني نزلت به في نهاية التسعينات عدة مرات حين زياراتي الأولى لبروكسل، مررت أمام الفندق ورأيت ببهوه وجوها أظنها مغربية، محملة ببعض الأكياس وقوارير المياه المعدنية. وصلت إلى المتجر وببابه استوقفني شخص قائلا:” السي الابيض هل أنت كذلك من العالقين في بلجيكا”؟ أجبته” نعم. فسألني نفس سؤال إبراهيم:” هل ستفتح الحدود قريبا؟” فأجبته: “إن شاء الله، فالمغرب لا يتخلى عن أبنائه أبدا”. حين ذاك عرَّفني بنفسه. اسمه أحمد، وهو إطار مغربي كان في مهمة عمل ببروكسل حين أغلقت الحدود، يقيم في هذا الفندق منذ شهر بفضل دعم قنصلية المغرب. سألته عن أحواله فأجاب الحمد لله، لأن الوضع صعب للغاية وخصوصا بالنسبة للمئات من المغاربة العالقين بدون إقامة، والذين لا يستطيعون العمل حاليا بسبب الجائحة. قال لي بأنه يلتقي بعدد كبير منهم أمام بعض مطاعم الوجبات السريعة، ويستمع لشكاواهم ويتألم في صمت، لأن وباء كورونا زاد وضعية هذه الشريحة تعقيدا وعرى واقعها ووضعيتها. سألته إن كان في حاجة للمساعدة، فأجابني بالنفي لأن القنصلية تسهر على كل شيء وشكَر لي القنصل ونائبه المكلف بالشؤون الاجتماعية اللذين يتواصلان معه يوميا. فألححت عليه لتقديم المساعدة، فشكرني من جديد لأن غرفته بالفندق مملوءة عن آخرها بمساعدات يتلقاها يوميا من بعض الجمعيات التي علمت بوجوده مع بعض العالقين المغاربة الآخرين بنفس محل إقامته.
رافقته حتى باب الفندق، دخلنا البهو، فوجدنا صديقا له من بين العالقين يسأله إذا كان قد أحضر النعناع من المتجر، أجابه أحمد بأن النعناع والشاي أول ما اقتناه من البضائع. لكن إذا استمر الوضع على ما هو عليه فقد يضطران لشرب الشاي بدون نعناع، بسبب قلة الرحلات الجوية التجارية التي تزود الأسواق البلجيكية به. فتح باب المصعد وقبل اقتنائه، ذكّره المواطن المغربي الثاني الذي يدعى رشيد أنه في انتظاره وبقيةَ المجموعة لتناول الشاي وبعض الحلويات التي وصلته من طرف ممول للحفلات تعرف عليه مؤخرا. أقفل باب المصعد فقال لي: الحمد لله على تواجد مجموعة من المغاربة بنفس الفندق. نلتقي كل مساء حول “براد ديال اتاي وتنلعبو شي طريحات ديال التوتي أو السكرابل”.
قبل مغادرتي الفندق، تبادلنا أرقام الهاتف على أمل اللقاء في المغرب. عدت إلى لمنزل، وقمت بزيارة صفحات بعض الجمعيات المغربية على الفايسبوك. ففوجئت بالعدد الهائل لهاته الجمعيات التي تقدم المساعدة سواء للعالقين أو الطلبة أو حتى المقيمين غير الشرعيين. سررت كذلك بعدد المتاجر التي تتبرع بأطنان السلع لهاته الجمعيات، بل لاحظت تهافتا كبيرا على فعل الخير في هاته الظروف الصعبة. كنت أعلم أن المغربي في المهجر كريم بطبعه ومتضامن. ولعل أشهر سيدة في مجال الدعم والمساعدة في بروكسل هي الأخت نجاة سعدون التي لا تنتهي من حملة جمع تبرعات إلا وتبدأ حملة جديدة، آخرها حملة جمع التبرعات والمواد الغدائية التي تسهر كل سنة على توزيعها بالسجون لفائدة المعتقلين المغاربة ببلجيكا. نجاة سعدون تشتهر كذلك بانتقاداتها لتسيير العديد من القطاعات والإدارات بالمغرب وحتى بعض المراكز القنصلية. لكن هذه الانتقادات قلّت حِدّتها في زمن الكورونا. بل وقرأت على الفايسبوك مؤخرا مقالا لها تنوه فيه بطريقة تعامل المغرب مع أزمة وباء كورونا مقارنة ببعض الدول الأوروبية كبلجيكا، حيث ترتفع يوميا العديد من الأصوات للتنديد بتعامل الحكومة الفيدرالية مع الأزمة. مع ذلك، ننتظر المزيد من الإجراءات الحكيمة للمغرب في هذه الفترة وخصوصاً حول ملف المغاربة العالقين، والتي ندعو الحكومة للتفكير الجدي في منهجية حكيمة للتواصل معهم عوض عبارة “صبرو معانا شويا”.
تعامل المغرب مع جائحة كورونا أبهر العالم ونوّهت به العديد من الدول والمنظمات الدولية، لكن المغاربة العالقين في الخارج يأملون في المزيد، لفك الحصار عنهم وعودتهم لأهلهم وذويهم.