لم نقطع الأرض كلها كما كنا نأمل،فشلنا في ترتيب الخطى إلى آخر القوس، فشلنا في انتظار الموت المؤجل في هوائنا، وفشلنا في تعذيب السؤال عن الفشل الذريع وهو يغطي ساعاتنا السريعة في وقتنا.
لم نكن جادين أبدا ونحن نصنع لممشانا حذاءه الأخير، سقط التمعن الجيد في معنى الكلام عن الموت.
عدنا إلى بداية التأمل في الهواء، وتساءلنا، كيف يمكن للهواء أن يخدعنا واحدا واحدا؟ وكيف يمكننا أن نصنع للسؤال ديباجته لنعرف الجواب أكثر. كل اللغة غامضة كما الفكرة، لا امرأة تغري الولادة فينا، لا رجل يعلمنا كيف نذهب إلى سقف النهاية في غابة الأرض، لا شيء يمكنه أن يحترف الحياة فينا، الآن صرنا فاشلين بامتياز النهايات.
الآن ونحن في عز وحدتنا، نتأمل دوران الأرض السريعة، نتعب من قلق الهواء حولنا، هذا الهواء الذي كنا نحبه ،صار مريضا وعابثا.صرنا نخمش الهواء بأظافرنا ولا نجد غير الفراغ، لا نجد سوانا وحيدين في بيتنا ،وكأننا ننتظر السفينة الأخيرة لتحملنا إلى مدى أوسع من النهايات الغامضة.
الآن ونحن ملثمون تماما كما كان يفعل المقاتلون في الحرب، كمن يسوقون الإبل في الصحراء، كمن يغطون وجوههم من الغبار قبل الإندثار. الآن وقد صار كل شيء أرخص من بقائنا ولو وحيدين. من منا يستطيع أن يرتب موته كما يشاء، وأن يكتب وصيته الأخيرة لمن يرث اسمه؟ ربما لم يعد للوصايا أي دور بعد مرض الهواء الذي يحملنا على جناحيه الغريبين. هل كنا هنا يوما؟ سنسأل الملاك الذي سيحملنا سريعا أين نحن بعد الأرض، وبعد الهواء الذي أثقل الندى القاتل في صدورنا؟ ومن عمر الهواء في صدرنا ولم ينتبه للنفس الخفيف الذي تجرحه الحياة فينا.
الآن وكما بعد، وحدنا في غيبوبة التواجد الحر، لا شيء سيحس بنا، لا يد تمد يدا للنجاة، لا طائر سيسعفنا للغناء الحر، ولا كلام سيصلح للرواية بعد الآن. كل شيء فاشل كما هو الموت فاشل في صناعة المواعيد الأخيرة على مهل وقتنا.
الآن وكما قبل، ماذا كنا سنفعل لو أعادنا الوقت للتفكير عميقا في الجغرافيا الرطبة في بداية النباتي والبشري؟
هل كنا سنعود إلى صوت السماء وهي ترتبنا نباتا يكبر ويتعلم أخلاقها الحية؟
هل كنا سنقول للبشري، تمهل أيها الطائش في سيرتك إلى السماء، وتعلم صبر الحياة وتعلم كلامها عن الأمل؟
هل كنا سنسأل عمن علمنا صناعة الموت بدل أن يعلمنا صناعة الحب والحياة؟
بعد الآن، سنترك خلفنا طوابير من الغبار، جبالا من الحجارة، سيكون الطوطم هذه المرة كبيرا وهائلا بحجم الفشل الذريع.
وبعد الآن سنكون هواء يابسا من الصلوات الطرية، ويابسا من ندى الخزامى، متخشبا كذكرى بلا صورة وبلا ملامح.