الحجر الصّحي في المغرب: المجهودات وإكراهات التطبيق – محمد برشي

0
410

نظرا لكون فايروس كورونا الذي يجتاح العالم منذ بضعة شهور هو فيروسا مستجدّا بغض النظر عن ظروف نشأته، فإن أمر إيجاد لقاح فعال له يحتاج إلى اعتكاف العلماء في مختبراتهم لشهور طويلة، وهو الأمر الذي جعل منظمة الصحة العالمية تدعو الدول إلى تطبيق الحجر الصحّي كخيار بديل وفعال لمحاصرة المرض في أفق القضاء عليه، وهي الطريقة التي بفضلها استطاعت الصين أن تحاصر بها الفيروس وتتحكم في انتشاره، ما جعلها تحتل اليوم الرتبة الثانية عشر من حيث عدد المصابين الفعليين بعدما كانت بؤرة الوباء، وتجاوزت فيها حالات المرض سقف ثمانين ألف حالة.
يبدو أن الجائحة تغزو كل دول العلم بلا هوّادة، وتنتقل بين مواطنيها بسرعة فائقة، ما يجعل أرقامها تتضاعف بشكل مخيف، الأمر الذي جعل العديد منها يحاول الاستفادة من التجربة الصينية في محاربتها بإعلان حالة الطوارئ وتطبيق الحجر الصّحي على مواطنيها، ومنها المغرب الذي اتخذ خطوات استباقية، كان آخرها إعلان حالة الطوارئ في كل ربوع البلاد التي ستمتد حتى العشرين من أبريل القادم. فإلى أي حدّ سيمتد نجاح المغرب في تطبيق الحجر الصحّي الإجباري؟
يعتبر الحجر الصحي من الإجراءات الطبية المتبعة لإحباط انتشار بعض الأمراض، سيّما المعدية منها، ويعرف الحجر الصحّي بكونه هو عزل وتقييد حرية الأشخاص الذين يحُتمل تعرضهم لمرض معد ولو لم تظهر عليهم الأعراض للتأكد من إصابتهم بالمرض أم لا. وقد يكون هؤلاء الأشخاص معدين وقد لا يكونون كذلك.. ويختلف الحجر الصحّي من مرض لآخر وفق معطيين اثنين وهما: مدّة الحجر ودائرة الأشخاص (والحيوانات أحيانا) التي يشملها هذا الحجر.
نظريا، ولكي يتم محاصرة جائحة كورونا في بلد ما، فلابد من تطبيق حجر صحّي يمتد لشهر كامل، ويشترط في هذا الحجر الصحي أن يكون شاملا لكل ربوع البلاد، صارما في تطبيقه، ونافذا في كل المواطنين دون استثناء، لا يسمح لأحدهم بمغارة بيته إلا لغرض ملح محصور فقط في اقتناء ضروريات المعيشة والدواء.
من حيث التطبيق على أرض الواقع، فيظهر أن الصين هي الدولة الوحيدة التي نجحت الى حدّ بعيد في تطويق الجائحة بفضل التطبيق الشبه المثالي للحجر الصحي، وقد تأتّى لها ذلك بفضل تضافر أربعة عوامل:
– توفرها على إمكانيات لوجيستيكية ضخمة لمسايرة الوضعية.
– وجود أمن يقض وديكتاتورية فعّالة لعقاب المخالفين.
– وجود تغطية صحّية لإسعاف المرضى الذين هم في الحالات الحرجة.
– مستوى معيشي مرتفع للسكان مقرون بإعانات الدولة بشكل يغطي حاجيات الأسر طوال مدة الحجر.
– ارتفاع حسّ المسؤولية لدى الشعب الصيني وتعاونه.
نجاح التجربة الصينية لتطويق الجائحة، جعل العديد من الدول المتضررة منها تحاول استنساخ نموذجها، وهو الأمر الذي فشلت فيه العديد من الدول ومنها إيطاليا التي لم يفلح فيها خطاب الدعوة إلى الالتزام بالحجر الصحّي في غياب قوة رادعة قادرة على فرض قيود على مجتمع متشبع بالمبادئ الليبرالية، مما جعل وزير الوزراء الإيطالي يتجه إلى أساليب أكثر صرامة مقرونة بحوافز اقتصادية متمثلة في دفع الأجور ومساعدة الفقراء وإلغاء فواتير الكهرباء والماء خلال مدة الحجر.
يظهر أن جائحة كورونا تزحف بديموقراطية مثالية على دول المعمور وتزحف كذلك بنفس الديموقراطية على الأشخاص في كل بلد، سواء بشكل عمودي أو أفقي ودون تمييز، الأمر ينطبق على المغرب الذي فاجأته هذه الجائحة، ما أرغم المسؤولين في البلد على اتخاذ إجراءات مستعجلة، أحيانا موفقة، وأحيانا أخرى مرتجلة، وأحيانا أخرى مستنسخة من تجارب دول أخرى، فهل ينجح المغرب في تطويق هذه الجائحة؟ أم أن هناك إكراهات تحول دون ذلك؟
تشهد منظمة الصحة العالمية ومعها بعض الصحف الدولية على الجهود التي بذلها المغرب لتطويق وباء كورونا وصفها البعض بالمجهودات التي سبقت فيروس كورونا.
فبعد تسجيل أول حالة في المغرب في الثاني من شهر مارس، تأخّر ردّ فعل السلطات لعدة أيام قبل الدخول الفعلي لخوض غمار المعركة مع الجائحة وكان ذلك ابتداء من اكتشاف الحالة الثامنة يوم 13 مارس، وهو الموعد الذي تم فيه إيقاف الدراسة وتعليق السّفر من وإلى الجارتين إسبانيا والجزائر، وبعد يومين فقط، تم الإعلان عن تمديد هذا القرار ليشمل جميع الرحلات الدولية مع باقي دول العالم.
بعدها بيوم فقط تم الإعلان من طرف الملك عن إحداث صندوق خاص بتدبير جائحة كورونا، وأخيرا، تم اتخاذ القرار الحاسم يوم 22 المصادق من طرف مجلس الحكومة المغربية على مشروع المرسوم المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية على سائر أرجاء التراب الوطني المغربي، والتي سيمتر العمل بها إلى غاية 20 أبريل 2020.
يبدو إذاً أن لجوء السلطات في المغرب إلى إعلان حالة الطوارئ قد جاء بعد فشل الحجر الصّحي الطوعي الذي أطلق تحت مسمّى: “بقا فدارك”، لأسباب هي نفسها التي تجعل تطبيق حالة الطوارئ تصطدم بمجموعة من الإكراهات تلتقي كلها عند نقطة: غياب شروط الحجر الصّحي، نورد أبرزها فيما يلي:
– أمور مرتبطة بمستوى الوعي والثقافة الاجتماعيين: واتضح هذا بجلاء إبّان الدعوة إلى لزوم البيوت، وامتد حتى فترة إعلان حالة الطوارئ، حيث أظهرت فئات من الشعب افتقادها لحسّ المسؤولية لأسباب مرتبطة، إمّا باللامبالاة، أو الجهل، أو سوء إدراك العواقب، أو رغبة فئة معيّنة في استغلال ظروف المرحلة لتصفية حساباتها مع الدولة.
– بعض قرارات الدولة المرتجلة: فظهور الوباء على حين غرّة دون استعداد مسبق، جعل الدولة تدخل في دوامة اتخاذ بعض القرارات المرتجلة، إمّا غير محسوبة العواقب، أو مستنسخة من دول أخرى دون مراعاة خصوصيات المجتمع المغربي، وأبرز هذه القرارات المرتجلة، بدائية وسيلة الحصول على رخصة الخروج الاضطراري، حيث تم ربط الحصول والتأشير عليها بالمقدّم الذي سيتحول بفعل هذا الإجراء إلى حلقة الوصل بين كل ساكنة الحيّ أو الأحياء التي تدخل ضمن نطاق نفوذه، إضافة إلى الفوضى التي ستترتب عن ذلك.
– هشاشة الوضع الاقتصادي لأغلب المغاربة: بغض النظر عن نسبة جدّ ضئيلة يمثلها الميسورون القادرون على مسايرة تبعات الحجر الصحّي مهما امتدّ أمده، فإن 6 ملايين من المغاربة يعيشون فقرا مدقعا، و8 ملايين أخرى تعيش تحت عتبة الفقر، بالإضافة لــ13 مليونا يكافحون يوميا من أجل الحفاظ على أسلوب حياة متواضع ومستقر، أما باقي المواطنين الذين يشكلون الطبقة الوسطى، فإن غلاء المعيشة وتراكم الديون جعلت مدخراتهم منعدمة أو في أحسن الأحوال لا تستطيع مسايرة حجر صحي قصير الأمد، الأمر الذي يجعل تدخّل الدولة في هذا الجانب ملحّا ومستعجلا، وهو أمر لا تظهر بوادره بعد أمام الغموض الذي يلفّ تحديد اللائحة النهائية للمستفيدين ، ناهيك عن مدى قدرة مبالغ الصندوق في تغطية كلفة مدة الحجر الصحي الطّويلة والقابلة للتمديد، فضلا عن تداعياته بعد رفعه.
وهنا نشير إلى دور بعض المبادرات الفردية والجماعية التي استطاعت تحاوز بطء الإدارة في مدّ يد العون إلى بعض الفقراء والمحتاجين بشكل مستعجل خففت إلى حدّ ما من معاناتهم في انتظار مبادرات الدولة تفاديا لخروج الأمور عن السيطرة، فسمة الوباء المخيفة أنه ينتشر بسرعة، وتدخل الدولة يجب أن يكون أسرع منه لتطويقه ومحاصرته ومنع انتشاره.
يبدو أن الحجر الصحّي الإجباري في المغرب مهدد على المدى المتوسط بالنسف من طرف الفقر والجوع، سيّما أن الخطر الذي يشكله الجوع على الفقراء والفئات المهمشة، لن يكون أكثر من تهديد وباء يملكون فرصة للنجاة منه حال الإصابة به. ولن يكون أمام المغرب في حالة عدم تدخل الدول لصالح الفئات الهشة منعدمة المداخيل والمدخرات سوى انتظار معجزة قد تأتي إما من الانحسار المفاجئ للوباء من تلقاء نفسه لظروف طبيعية، أو ظهور عقار يعالج أعراضه ويجعل مستوى تهديده يلامس الصفر.

-كاتب مغربي مقيم في واشنطن-

المصدر: موقع بناصا

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here