حققت عناصر المشهدية في ما يخص فيروس كورونا الواقعية على مستويات عدة، وكان للموضوع المتعلق بهذا الداء عنصر الآنية الذي تجاوز الحدود والقارات حتى أصبح حديث الساعة، وحديث كل الألسنة ليتجاوز معنى الحديث ذاته ليصبح همس شيطان في كل النفوس البشرية، بالإضافة إلى أنه تَبلور وسُوِّق -الحديث- حسب وجهات نظر مختلفة.
منذ أن استقر هذا الفيروس كمرض في الذوات البشرية الآسيوية وما صاحبه من ردود قوية جعلت منه عنوانا خطيرا يستدعي الوضوح وتقديم معطيات رسمية حقيقية حوله، كان العالم بأسره يعلم وفق تجارب سابقة مع سلالات فيروسية من نفس الجينات أنه لا حدود له، وسمته البارزة هي قابليته للانتشار. هنا يصبح إلى جانب كونه فيروسا مستجدا، أكبر كابوس ووحش يكبر مع كل حديث وتغطية ومناقشة، تزيد من تضخيمه ليكون مشهدا قبيحا وتراجيديا يحصد الأرواح، ويسبق انتشاره الرعب والهلع في نفوس لا تطمئن إلا إلى ما تراه وتلمسه.
وإن عدنا إلى الواقع الذي بدأ به هذا الفيروس، فلا نجد للحديث ما يعطي معنى لواقعيته وحقيقته حتى تتكون لدينا فكرة على استيعاب ما يحدث داخل هذا الكون الذي يجمعنا بالرغم مما قدمته الدراسات والأبحاث في هذا الموضوع، إلا أن الجانب الذي يطرح انعكاسات هذا المرض هو أن نجد ما لا يعد ولا يحصى من مشاهد وحقائق تحمل معاني تأخذنا إلى التفكير بالحالة وانعكاساتها والصراع في إيجاد الدواء دون الخوض في مسببات الداء، كأن البدايات لا تشكل نسبة كبيرة في ما ستكون عليه النهايات، كأننا أمام معادلة مطروحة للتحليل دون قواعد تذكر.
كورونا المرض في الدول الآسيوية والدول التي انتقل إليها، وكرونا الكابوس والوحش في باقي بؤر العالم حكاية بمشهدين، فيما يبقى معنى واقع هذا الفيروس سجين الحقيقة المرة التي تُغذِّيها صراعات لا تقبل المفاوضات ولا تقبل العلنية نفسها، ومن رغم سمتها الصراعية إلا أنها باردة هادئة في عمقها، وهي تحتضن هذا المولود الفيروسي ليعيد توازنات بدون معنى ولا واقعية، في حين تقدمه للعالم كوحش خطير وشيطان يراود كل النفوس البشرية على وجه الأرض.
وعلى ذكر النفوس البشرية، لنعكس معادلة كرورنا الفيروسية والمرضية، لنصل إلى معادلة أخرى قائمة على قواعد علمية نفسية تتجلى في شبح الخوف الذي يسكن الذوات قبل أن تسكنها عناصر المرض، ومن أبرز أنواع هذا الخوف عند علماء النفس، الخوف من المرض الذي يسبب الهلع الشديد من خلال ما يبرزه العالم الخارجي، حيث لا ينفع امتلاك النضج الإدراكي من عدمه، هنا يبدأ الصراع الداخلي ليولد أنواعا أخرى كالخوف من الموت والخوف من الانفصال القائم على عنصر الذات غير المرغوب بها، وهذا ما ينتج لنا سلوكيات غير موزونة وردودا تكون فيها الأنا متحكمة وقائدة لكل ما يأتي من أعمال وأفعال وأدوار وأفكار، داخل المنظومة الاجتماعية التي بدورها يقودها الخوف الاجتماعي الذي يصبح الميزة التي تميز المجتمعات في العالم بأكمله، مع كل فيروس أو وباء ظهر في ظروف غامضة.
وأجمل ما يستحضرني من خلال واقع كرونا الفيروس والوحش، هي مقولة على بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه:” الناس من خوف الذل في ذل”، ولا أجد من ذل أكثر من ذل النفس بسبب خوف أساسه الوحيد هو “الأنا” . ونحن ندرك تمام الإدراك أن كما في مقولة العقاد: ” الخوف من الموت غريزة حية لا معابة فيها.. وإنما العيب أن يتغلب هذا الخوف علينا ولا نتغلب عليه”. هنا يمكن القول أننا في صراع دائم مع الخوف كما أثبتت دراسات في علم النفس ذلك، فإن هناك من الدراسات ما تجعل هذا العنصر سلاحاً يعبر كل الحدود، ولا يلزمه إلا خلق واقع وحالة لجعله فتاكاً ولعبة في التوازنات ليصبح الموت الهاجس النفسي والذاتي الوحيد عند البشرية، ويصبح ” الخوف من الموت.. موتا قد يمتد مدى الحياة..”، على حد قول الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي.
لنقل إننا أمام صراع ذاتي يسيطر عليه عنصر الأنا بتأثيرات خارجية ذات أبعاد متعددة، كما أن عنصر الموت أحد التوازنات التي يسعى كل واحد منا عدم تحقيقها رغم أنها معادلة حتمية محددة بمحددات وأسباب وحالات مختلفة. لكن يبقى هاجس النجاة من بين التَّعلُّمات التي تُعَطِّل كل التوازنات الداخلية، وتضرب جوهر الذات في عمقه وأصله، وحتى إن قُلْنا جدلا إنه حق فطري غريزي، وقد يُشَرْعِنُه البعض، إلا أنه يبقى وفقا لما تقوم عليه معادلة الإنسان نفسه داخل النظرية الكونية، سعيا يفقد كل ما هو وجداني وجوهري لمكانته وقيمته، وهي معالجة تكون فيها التأثيرات الخارجية مسيطرة بقيادة الأنا الخبيثة إن صح التعبير، والتي لا تعيد التوازنات إلى نصابها، سواء تعلق الأمر بالحياة أو بالموت باعتبارهما عنصرين يقومان على أصل الوعي وتطوره كجانب مهم داخل الذات البشرية، وفق كينونتها وكونيتها، ووفق وجودها وموجودها.