اعتبر العديد من الباحثين خلال ندوة نظمها مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية يومه الجمعة الماضي بالرباط، أن العلاقات التركية المغاربية عرفت تطورات في السنوات الأخيرة خاصة بعد الربيع العربي، مع تميز هذه العلاقات بنوع من الاختلاف من بلد مغاربي إلى آخر.
وقال سعيد الصديقي أستاذ العلاقات الدولية، خلال ندوة “المغرب الكبير وتركيا”، إن علينا أن ننظر إلى تنامي تأثير تركيا في المنطقة المغاربية بعيون مغربية، لأن أغلب الكتابات المغربية تنظر إلى هذا الصعود من عدسة غربية وليس من تصور المصالح العليا للمغرب.
وأضاف الصديقي أن تركيا تميز في تعاملها مع البلدان المغاربية، فتعاملها مع البلدان التي كانت تحت الحكم العثماني يختلف عن تعاملها مع المغرب، إذ إن هناك نوعا من الندية في التعامل التركي المغربي، مقابل نوع من الإحساس بالمسؤولية التاريخية تجاه البلدان الأخرى.
واعتبر أستاذ العلاقات الدولية أن من بين العناصر المهمة التي تساعد على فهم الصعود التركي في المنطقة هو سياستها الخارجية تجاه المنطقة المغاربية، حيث يمكن التمييز بين مرحلتين أساسيتين؛ أولا مرحلة نشر نفوذها الاقتصادي والثقافي من خلال الدور الكبير للقطاع الخاص، ثم من خلال القوة الناعمة، عبر المسلسلات والأفلام والقنوات، وإشعاع النموذج السياسي التركي، واستقطاب الطلبة.
وتتمثل المرحلة الثانية، حسب الصديقي، في التدخل العسكري في ليبيا، وهي مرحلة غير مسبوقة في علاقة تركيا بالمنطقة المغاربية، خاصة مع فشل محاولتها لتعزيز حضورها في مرحلة الربيع العربي بعد فشل حكوماته وخاصة في مصر.
وتساءل الصديقي عن سبب انتقال تركيا إلى الحضور العسكري، وما إذا كان يعود للحفاظ على مصالحها الاقتصادية كأي بلد، أم إن لها طموحات عثمانية، معتبرا أن هذا الموضوع هو سر الخلاف القائم بينها وبين المغرب، ليخلص في الأخير إلى أن هدف تركيا هو الحفاظ على مصالحها في المنطقة.
واعتبر الصديقي أن التحرك التركي في ليبيا لم يأت بهدف حماية حكومة السراج، وإنما حماية مصالحها خاصة مع الاتفاق الذي أبرم بين كل من مصر وإسرائيل وقبرص في محاولة من هذا الثلاثي لتغيير هندسة النظام الإقليمي بشرق المتوسط، ما جعل تركيا تخاف من أن تكون خارج هذا الإطار وتضيق مصالحها، فالمنطقة غنية بالثروات كالغاز.
وهو نفس الاتجاه الذي ذهب فيه محمد السحيمي الذي أكد أن المنطقة المغاربية غنية بالثروات، ومن ثم فإن اهتمام تركيا بالتواجد في المنطقة لا ينزاح عن هذا السبب، كما عرج الأستاذ على جزء من تاريخ العلاقات بين تركيا والبلدان العربية.
وتطرق السحيمي إلى الموضوع الليبي، حيث إن هذا الموضوع يظل أكبر تجل للحضور التركي في المنطقة، مشيرا إلى أن المغرب أيضا كان فاعلا في الأزمة الليبية من خلال استضافة الفرقاء في الصخيرات، رغم تغييبه في مؤتمر برلين، الذي حظرته الجزائر، ودعيت إليه تونس بشكل متأخر.
وحول العلاقات المغربية التركية، تحدث زكريا أبو الذهب أستاذ العلاقات الدولية، عن اتفاق التبادل الحر بين المغرب وتركيا، كواحد من بين أهم تجليات هذه العلاقة، مشيرا إلى أن هذا الاتفاق قد أغرق السوق المغربية، ما نتج عنه الدعوة إلى إعادة النظر في هذا الاتفاق.
وبدوره، خصص الأستاذ محمد بنهلال مداخلته حول العلاقة التركية التونسية التي تميزت بنوع من التحول عبر الزمن، وإن ظل التقارب بين البلدين يطبع هذه العلاقات، مشيرا إلى التقارب الذي حصل بين البلدين زمن أتاتورك، وكذا في زمن أردوغان، حيث العلاقات متينة بين العدالة والتنمية وحركة النهضة، مؤكدا بدوره على تنامي وجود تركيا في المنطقة المغاربية.
لكن التواجد التركي في المنطقة، تعوقه عدة عوائق، حسب الصديقي، منها جوارها الإقليمي المضطرب، إضافة إلى محدودية قوتها العسكرية التي لا تسمح لها بخوض أكثر من معركة بأكثر من جبهة وتنتصر فيها، وعدم وجود حلفاء موثوقين بهم، فتقاربها مع روسيا تشوبه المصالح المتناقضة والطموحات المختلفة، وهو تقارب قائم على استياء مشترك من أمريكا، وما حدث قبل أيام من مقتل الجنود الأتراك يوضح أكثر، ناهيك عن الوضع السياسي لأردوغان مع تراجع قوته الانتخابية، ما يجعله يقوم بحسابات دقيقة قبل أي معركة خارجية.
المصدر: موقع لكم