حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان “سياسي” يشجع على الترحيل الفوري للمهاجرين نحو المغرب – صبري الحو

0
336

تراجعت الغرفة الكبرى بالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ عن سابق الحكم الذي أصدرته نفس المحكمة بتاريخ 13 أكتوبر 2017، والذي أدان إسبانيا على ترحيلها الفوري في إطار ما يسمى “بالعودة فوق المياه الدافئة” لمهاجرين اجتازوا الأسلاك الشائكة بين الناظور ومليلية، حيث صرحت بإجماع 17 مستشارا بإلغاء الحكم المستأنف القاضي بإدانة وتغريم إسبانيا بعلة عدم وجود انتهاك للاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان.

وقائع النازلة:

وترجع وقائع هذه القضية إلى 13 غشت 2014 عندما أقدم مهاجرون من دول جنوب الصحراء، وعددهم ثمانون بالهجوم على السياج الحديدي  الشائك، الفاصل بين مليلية والناظور، وتسلقوه واجتازوه وعبروا إلى داخل مليلية. وتم القبض على مجموعة منهم، وتم إرجاعهم وترحيلهم مباشرة عبر معبر بني انصار إلى المغرب الذي قبل بذلك، دون أن يتم الترحيل تحت رقابة القضاء الإسباني، أو تمتيع المعادين بالضمانات التي يكفلها الدستور الإسباني والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

الدعوى وحيثيات الحكم الابتدائي:

على إثر هذا الإرجاع تمكن  المحامي Gonzalo Boye كونزالو بوي من الاتصال بشابين  “ن،د” من دولة مالي و “ن،ت” من ساحل العاج وتبنى قضيتهما. ورفع دعوى ضد دولة إسبانيا أمام المحكمة الأوروبية بستراسبورغ، انتهت بإدانة إسبانيا وتغريمها بدفع مبلغ 5000 يور لكل واحد من الشابين الإفريقيين، بعلة أن إسبانيا لم تحترم المادة 4 من البروتوكول الرابع للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، والتي تمنع وتحرم الترحيل الجماعي، وخرقها للمادة 13 التي تضمن الحق في طعن فعلي وحقيقي أمام هيئة قضائية وطنية في مواجهة الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين.

إصدار إسبانيا لقانون يسمح بالترحيل الفوري:

على إثر محاولات المهاجرين جنوب الصحراء الذي كانوا يرابطون في غابة “كوروكورو” بالناظور و”بليونش” بالفنيدق تطوان على تسلق الحواجز الفاصلة بين مليلية والناضور وسبتة وتطوان، والهجوم الجماعي وبالقوة على نقط العبور، وفي ظل غياب إطار قانوني يسمح لإسبانيا بتنفيذ الإرجاع الفوري، فإن حكومة الحزب الشعبي برئاسة ماريانو راخوي صادقت سنة 2015 على قانون”أمن المواطنين”، أطلق عليه ley mordaza موردازا، دخلت حيز التنفيذ في فاتح يوليوز 2015.

و يسمح هذا القانون لإسبانيا بتنفيذ الترحيل الفوري إلى المغرب للمهاجرين الذين يحاولون دخول سبتة ومليلية دون اتباع وسلوك المسطرة القانونية وحصولهم على ترخيص. ويسمح قانون مردازا بتنفيذ الإرجاع مراعاة ولا كفالة للحقوق التي يسمح بها القانون للمهاجرين، والمرتبطة بالتعريف بهويتهم أولا وبحقهم في الاتصال بمحام، وترجمان ومساعدة طبية، وحقهم في إثارة طعن أمام هيئة قضائية وطنية ضد قرار الترحيل أو في مواجهة الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين.

المغرب يقبل بواسطة تعاقد بترحيل إسبانيا مهاجرين:

وتجدر الاشارة أن إسبانيا يربطها مع المغرب اتفاق  13/2/1992 يسمح بتنفيذ ترحيل وإرجاع المهاجرين الذي يدخلون إقليمها من المغرب بطريقة غير قانونية، وهو الإطار القانوني الذي تذرعت به أثناء إرجاعها فورا عددا هائلا من المهاجرين، بلغ 116 من دول جنوب الصحراء في صيف 2018.

إسبانيا تطعن بالاستئناف الاستثنائي أمام القاعة الكبرى بالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان:

لقد ترددت اسبانيا كثيرا في تقديم طعن بالاستئناف ضد حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان الذي أدانها وغرمها بأداء تعويض 5000 يورو لكل واحد من المهاجرين؛ من جهة لكون المحكمة ليست جهة استئنافية بالمعنى الصريح، وهي لا تنظر إلا في حالات عامة تتضمن مسائل خطيرة، أو في قضايا لها علاقة بتفسير وتأويل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان. ومع ذلك فان اسبانيا امتطت خطر الاستثناء وتقدمت بالطعن اعتمادا على موجبات أن المهاجرين الطاعنين أمام المحكمة هما  اقتصاديبن وليسا مرشحين لطلب اللجوء.

مرافعات سياسية وسلوك بانضمام دول مدافعة الى جانب اسبانيا ترجح وجود تاثير سياسي:

كان محامي دولة إسبانيا رافائيل أندري ليون كافيرو في معرض بسط مرافعاته الشفوية ينبه قضاة المحكمة ابتدائيا استئنافيا أن  إصدار قرار غير متوازن سيشجع على النشاطات غير القانونية التي تستفيد منها العصابات الاجرامية التي نشط في التهجير، وهو ما سيمس في النهاية بحقوق المهاجرين في وضعية إدارية قانونية وبحقوق المواطنين الأوروبيين على السواء، والضرر يلحق أيضا بالموظفين المكلفين بمراقبة الحدود الذين يتعرضون للاعتداءات أثناء  التسلق والهجوم بالقوة من أجل العبور.

وهي دفوع سياسية أكثر منها قانونية. وقد ساندت التوجه الإسباني كل من فرنسا وإيطاليا وبلحيكا، التي انضمت مدافعات عن إسبانيا في نفس القضية، والتمست من المحكمة الحكم وفق طعنها، وهذا التصرف والسلوك وفر ضغطا على الغرفة الكبرى ولربما اثر على قضاة الحكم وفي نتيجته.

مؤسسات حقوق  الانسان يرفضون التمييز بين المهاجرين في توفير الحماية:

 عارضت رئيسة لجنة حقوق الإنسان بمجلس أوروبا Dunja Mija دونجا ميجا  وكذا المسؤولة عن لجنة الأمم المتحدة للاجئين Grainne O’Hara، اللائي أنذرن بدفوعات إسبانيا ومحاولاتها إقامة تمييز وتفرقة بين المهاجرين في توفير التزام الحماية، واعتبرن ذلك تراجعا في الدفاع المضمون لفائدة الجميع، فقط بادعاء أن من يجتازون الحدود بطريقة غير قانونية لا يستحقون الحماية، أو تبرير تصرفات وسلوكيات تتناقض والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان  لمجرد ارتفاع عدد المهاجرين إلى أوروبا، فكل ذلك غير مقبول امام مبدأ الحماية الذي تحميه قواعد آمرة لا يجوز مخالفتها.

الغرفة الكبرى بالمحكمة الأوروبية تصرح بعدم وجود انتهاكات:

وفي مفاجأة الجميع، فإن القاعة الكبرى بالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بستراسبورغ ألغت يوم 13 فبراير 2020 الحكم المستأنف القاضي بإدانة وتغريم إسبانيا بسبب انتهاكات للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وصرحت أن إسبانيا لم تخرق مبدأ وقاعدة منع الترحيل الجماعي الذي تمنعه الاتفاقية الأوروبية وملحقاتها، كما لم تنتهك المادة 13 المتعلقة بالحق في طعن فعلي وحقيقي أمام هيئة قضائية وطنية.

واعتبرت المحكمة أن الطاعنين بفعلهما محاولة الدخول إلى إسبانيا في غشت 2014 بالقوة ودون حصولهما على ترخيص وتسلق الحاجز الفاصل وضعا نفسيهما في وضعية غير قانونية، والحال أنهما يتوفران على وسائل وأخرى للدخول بطريقة قانونية منها طلب اللجوء أمام القنصلية او في الحدود، وجعلت ذلك فعلا مبررا لقرار اسبانيا بالترحيل الفوري، والحال أن قاعدة الحماية لا تنظر الى وسيلة الوصول بقدر ما تنظر في اسباب الحماية، كما ان طلب اللجوء مسموح تقديم داخل الدولة ايضا وليس ضروري في الحدود او القنصليات.

تداعيات الحكم خطيرة والغاية منه ردع المهاجرين لتغيير اختيارهم الهجرة لأوروبا:

ولا شك أن الحكم الصادر يعتبر في حد ذاته تراجعا عن سابق اجتهادات نفس المحكمة في موضوع حماية حقوق وحريات المهاجرين واللاجئين. وهو كذلك سابقة خطيرة ستكون له نتائج وتداعيات وخيمة، لأنه سيشجع الدول الاوروبية على اتخاذ اجراء الترحيل الفوري بسهولة ضد كل مهاجر في وضعية ادارية غير قانونية تواجد فوق اقليمها وادعاء أنه وضع نفسه عرضة للخضوع للأجراء  بسبب دخوله إلى إقليمها بطريقة غير قانونية.

وسترفعه الحكومات الأوروبية سلاحا ضد الجمعيات الحقوقية ومبررا لعمليات الطرد والترحيل. وقد تكون الغاية من الحكم، هو ما صرح به محامي دولة إسبانيا أثناء تنبيهه لقضاة المحكمة في معرض تقديم خلاصاته الشفوية، والتماسه اصدار قرار متوازن، اذ رافع بكون ادانة اسبانيا سيشجع على نشاطات غير قانونية من أجل الهجرة تستفيد منه عصابات ومافيا الهجرة فقط.

والحكم هو بمثابة إجراء لردع المهاجرين لتغيير اختيارهم في الهجرة نحو أوروبا. كما أن الحكم يتناقض مع روح وجوهر الاتفاقية الاوروبية لحقوق الإنسان ومع اتفاقية دبلن 1و2 الخاصة باللجوء ومع الشعار الذي رفعته أوروبا في الميثاق الأوروبي للهجرة واللجوء سنة 2006، من أن أوروبا أرض الحماية واللجوء.

خاتمة:

لا شك أن الحكم الذي أصدرته الغرفة الكبرى بالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يشكل تراجعا عن مبدأ الحماية الذي أقره سابق اجتهادات نفس المحكمة، وتلتزم به الدول الأوروبية سواء في قوانينها الوطنية أو في القوانين الأوروبية والقانون الدولي. وأن هذا القرار سيكون محل تعليقات ورفض من رجال القانون والحقوقيين، وأن الطابع السياسي واضح فيه.

 وفي نظري فإنه لن يصمد كثيرا وسيتم التراجع عنه في أول فرصة وقضية تثار أمام نفس المحكمة.

محامي بمكناس، خبير في القانون الدولي، القانون الأوروبي للهجرة وحقوق الإنسان

المصدر: موقع بناصا

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here