Home Slider site في ضيافة عبد الله بوصوف، من ذكريات معرض الكتاب 15 – أحمد...
بدأ شعراء المهجر والشواعر في قراءة أشعارهم، كل يعبر عن ذاته وخلجات حبره بالطريقة التي يحب أن يصل بها صوتها إلى الجمهور، الذي باستثناء بعض أصدقائنا وأحبابنا الذين دعوناهم إلى الحفل وقد قابلناهم بمعرض الكتاب أو الذين تواصلنا معهم بوسائل متعددة، لم تضم القاعة كثير مهتمين بالشعر والأدب، فمعظم مدعوي “مجلس آل بوصوف” كانوا مهتمين بزركشة “القفاطين المتسكعة أمامنا، التي تهندمت بها مائلات مميلات وكأننا في عرض أزياء وليس في حضرة البيان والمجاز.
كانت معظم اهتمامات الضيوف -إياهم- قد تركزت على تحية نجمة الحفل، طبعا لم تكن شاعرة -عفوا- بل هي شاعرة وفنانة ورسامة وكل شيء، وكما يقول الدكتور اليحياوي، تجسدت كل أشكال الإبداع في هذه الأسرة -يقصد أسرة آل بوصوف- من فكر وتنظير وشعر ورسم وفن وموسيقى والله أعلم ماذا أيضا. تركزت اهتماماتهم على تحية السيدة زوجة أمين عام مجلس الجالية، ومبادلتها التحية بشكل لم ينقطع طوال الأمسية، ومبادلتها الابتسامات أيضا. أما أنا وباقي أعضاء الرابطة فقد كنا مجرد “كومبارس”، جزءا من ديكور الصالة الذي ينتظر دوره في أن تحركه يد إحداهم وتحديدا إحداهن، ليقول كلمتين ثم يُلتفت لمن هو أهم منه، جيء بنا لتسجل أسماؤنا في صحيفة بوصوف وتحسب في ميزان حسناته وميزانية مجلسه لا غير.
تنقل الميكروفون من أيادي الشعراء المرضي عليهم لينتقل بعدها إلى صف شعراء رابطتنا، أعطيت لكل واحد منهم مساحة كافية من الوقت ليقرأ ويعرض جديد شعره حيا، بعدما لم يكن قد عرفه كثير من الحضور إلا سطورا جافة على حائط حسابه الفيسبوكي. كان الوقت يمر ثقيلا، والحضور فد انسحب معظمه من القاعة حتى كادت أن تصبح خاوية على عروشها إلا من ممن يسكن الشعر أرواحهم، ومن بعض أصدقائي الذين تعجبوا لماذا لا يسمح لي بأن أقرأ مثل غيري، في ترتيب محترم يليق بي.
جاءني الفرج من مقدمة الأمسية الألمانية، نظرت إلي بكبر غريب ليلتها وخاطبتني بأسلوب ينم عن وقاحة كبيرة، فقد قدمتني بالشاعر المتكبر المغرور وصفات أخرى، ثم اقتربت مني وأنا على المنصة لتهمس لي بكلمة أكثر استفزازا قبل أن تسلمني الميكروفون بابتسامة ساخرة، قابلتها بأريحية وقد أدركت مناورتها منذ البداية.
كانت قد رتبت أمر تسجيل انفعالاتي وربما انجراري إلى ما هو أبشع من ذلك، وبما أننا في عصر الصورة والصوت اللذين يستعملان بشكل خطير لتلويث السمعة والمس بالأعراض، فقد رأيت كاميرا هاتف إحدى عميلاتها وربما عميلات صاحب “الاستضافة” لتوظيف إحدى ردات فعلي ضدي وتسويقها بما يمكن أن تحسبه نيلا مني ومن سمعتي. انحنيت برأسي لها كعلامة شكر ثم قرأت قصيدتين لم تتجاوز مدة قراءتهما معا الخمس دقائق.
كانت قضية القدس وما تزال قضية المسلمين وأحرار العالم الأولى، وكنت قد كتبت فيها قصيدة حديثة أردت أن أتقاسمها مع الجمهور يومها -أو من تبقى منه-، ليدرك أننا غير منكفئين فقط على ذواتنا، بل نحن كشعراء في الرابطة الرابطة الأوروعربي للإبداع والفن منفتحون متجاوبون مع القضايا الكبرى التي تهم عالمنا العربي والإسلامي بل والإنساني، فصدحت بعنوانها: ”القدس”.
وكأن عقربا بريا قد لسعها، هرولت نحوي صارخة في وجهي، انقضى الوقت المخصص لك يا حضراوي، نظرت إليه بطمأنينة قديس وهتفت في وجهها مرة أخرى “القدس”. تابعت جريها نحو منبري وكأنها في سباق مع شر نفسها ووضعت يدها بكل قلة أدب وعدم احترام على منبر كلماتي محاولة جمع أوراقي عموة وقالت لي بكل غضب: ”كفى”، سحبت بخفة أوراقي وأنا أمعن النظر في وجهها الذي ركبه ألف شيطان، وللمرة الثالثة رددت عليها: ”القدس”.
لم يكن يعنيها شعر أو قضية، كل ما كان يعنيها أن تظهر انتصار بجاحتها على شاعر، انحنيت لها مرة أخرى وحييتها وشكرتها على منحها فرصة القراءة لي في هذا المحفل الكريم، وعدت إلى مقعدي، أنشر ابتسامتي لكل الجمهور الذي ترك المنصة والتفت نحوي مستغربا مما جرى وما زال يجري، وفي صدري براكين من الغيظ تكاد أن تنفجر، لكنها لا تقارن ببراكين غيظ من ظلت تتبعني بكاميرا هاتفها التي لم تحظ باللقطة “البوز” التي كانت تتشوق إليها.