Home Slider site أمير زنجي ولص قاتل .. هكذا يرى صحافي فرنسي الباشا الڭلاوي –...
سنة 1932، نشر الصحافي الفرنسي ڭوستاف بابان كتابا في باريس يحمل عنوان”Le Maroc Sans Masque Son Excellence”، يتحدث فيه عن الجانب الخفي من حياة باشا مراكش التهامي الڭلاوي الذي رحل إلى دار البقاء يوم 23 يناير 1956.
بابان، الذي قضى بالمغرب ثمانية أعوام، خصص صفحات كثيرة من الكتاب المذكور، الذي ترجمه إلى اللغة العربية عبد الرحيم حزل بعنوان “الباشا الڭلاوي.. الأسطورة والحقيقة في حياة باشا مراكش”، للحديث عن “جرائم ارتكبها الأمير الزنجي” نسبة للڭلاوي الباشا القوي.
ثراء الباشا:
“أكثر الثلاثة ثراءً، وأخطر عناصر الفساد في المغرب قاطبة” هكذا يصف جوستاف بابان التهامي الڭلاوي الذي ولد في قصبة تلوات سنة 1878 وراكم ثروة أسطورية من العقارات والبنايات والأموال والنفائس من الذهب والألماس والأحجار الكريمة؛ إلا أن بداية مراكمته للثروة بدأت، حسب هذا الصحافي الفرنسي المذكور، بزواجه من سيدة مسنة مباشرة بعد تواليه لباشوية مراكش. يقول بابان: “سارع إلى الزواج من أرملة بالغة الثراء، كانت قد فقدت زوجها بوبكر بن البشير الغنجاوي، أحد كبار تجار منطقة الحوز وأثريائها، وقد ترك الفقيد أطفالا قاصرين، أعلن الباشا نفسه وصيا عليهم ومسؤولا عن ثروتهم”. ثم زاد: “والحقيقة أن الڭلاوي لم يتزوج تلك المرأة وإنما سجنها طيلة خمسة عشر عاما”.
لم يكتف الصحافي الفرنسي بسرد قصة هذه الأرملة لتبيان طرق اغتناء الڭلاوي، بل سرد كذلك قصص نهب كثيرة؛ مثل ما أورده عن “نهب مسفيوة”، والإطاحة بالباشا بن منو والاستيلاء على كل ممتلكاته من أملاك وبهائم وحبوب وسندات وحلي وغيرها، وكذلك زواجه بأرملة أخيه سي المدني الڭلاوي واستيلائه مباشرة بعد موت أخيه على تركته ومبلغ 50 مليون فرنك؛ بل إن التهامي الڭلاوي سنوات بعدما طالبه أبناء أخيه بتركة والدهم المتوفي، طالبهم بتعويض قدره مليوني فرنك مقابل إنفاقه عليهم وعددهم يبلغ وقتها ستا وثلاثين ولدا وثمان وعشرين بنتا هم عدد الأبناء والبنات الذين تركهم المدني الڭلاوي من نسائه وإمائه عندما توفي.
من الطرق التي سلكها التهامي الڭلاوي، وفق ما أورده الصحافي الفرنسي في كتابه سالف الذكر، فرض “رسوم” على الشيخات والتجار وكل الأعمال التجارية وغير التجارية، ونهب الأراضي بالتزوير وبالقانون، مستدلا بعمليات سطو كثيرة بين دفتي هذا الكتاب.
وأوضح مؤلف كتاب “الباشا الڭلاوي.. الأسطورة والحقيقة في حياة باشا مراكش”، الصادر في ترجمته العربية سنة 2007 عن أفريقيا الشرق بالدار البيضاء، بأن الڭلاوي كان يستقوي بما يقدمه من هدايا للسياسيين الفرنسيين الذين يزورون إقامته بمراكش والمنازل والرياضات التي يمنحها للضباط الفرنسيين الذين يعانون من أزمة سكن، إلى أن كوّن في فرنسا نفسها قوة كبيرة تدافع عنه، سماها هذا الصحافي الفرنسي “قبيلة ڭلاوة على ضفتي نهر السين”.
اختلاق الأسلاف:
على الرغم اعتزاز التهامي الڭلاوي بأصوله التي يقول بأنها عربية معيدا نسبه إلى قرية قرب مكة؛ وأن جده هو عباس الصادق المزواري الذي ينحدر من العلويين الشرفاء، فإن جوستاف بابان كتب عن الڭلاوي بأنه “شلح بربري من سكان المغرب الأصليين، ولا وجود لشرفاء شلوح”. مضيفا: “فضلا عن كونه زنجيا هجينا، فقد كان ندماؤه في حانات باريس يميزونه ولو ارتدى معاليه الفراك والسموكينغ، حتى ولو شاركوه سكره وعربدته ذات مساء وقد اختلطت عليهم الرؤية”.
ويسرد بابان كيف أن الڭلاوي نشر في دليل سياحي عن مدينة مراكش في العشرينيات من القرن الماضي معلومة عن كون جدته هي أم السلطان السعدي المولى أحمد المنصور الذهبي.
ويجتهد جوستاف بابان لتفنيد النسب الشريف للڭلاوي بقوله: “إن محمدا المزواري من أحد بطون ورزازات هو أول من لقب بالمزواري، مفرد إمزواريين (أمزوارو) وهم كبار القبلية البدوية ووجهاؤها، حيث ولاه الحسن الأول جباية الضرائب عن قبيلة ڭلاوة، وهي مهمة وضيعة أعفي بموجبها من ضريبة الترتيب”.
ويكتب بابان عن طفولة الباشا القوي بأن “أم التهامي كانت تزاول أعمال السحر والتجبير، وتلقَّب بالطبيبة”، مردفا: “إلى حدود التمرد الذي أوصل مولاي عبد الحفيظ إلى العرش، كان الأخوان المدني والتهامي الڭلاوي يعيشان عيشة صعبة، ومما يحكى أنهما كانا حتى وفاة والدتهما، من البؤس بحيث لم يستطيعا أن يشتريا لها كفنا من الكتان، فكفناها في حَايْكها الصوفي”.
جرائم قتل:
كثيرة هي الجرائم التي نسبها جوستاف بابان إلى التهامي الڭلاي في هذا الكتاب الذي احتفت به الحركة الوطنية وقت صدوره. الڭلاوي، الذي ضم إحدى المقابر القديمة إلى مكان سكناه وبدأ يدفن فيها جثثا جديدة، إلى درجة أن المراكشيين يعلقون وقتها أن تراب تلك المقبرة لو دعك لخرج منه دم طري بتعبير جوستاف بابان، وزاد في جزئية أخرى بسيطة: “وكم سيكون مثيرا أن تفصح مدام ليجي Légy الطبيبة في دار الڭلاوي، والأجنبية الوحيدة، التي تحيط معرفة بكل خباياها المرعبة، عن كل ما ضمدت من جراح، وما أغمضت من عيون أحيل أصحابها من جراء التعذيب جثثا هامدة”.
إضافة إلى جرائم كثيرة سردها الكتاب؛ منها جرائم قتل لأشخاص معروفين مثل أحمد بوستة الذي قتل بسيناريو محبوك ببراعة كبيرة، وكذلك اغتيالات لموظفين وخدم وغيرهم ممن يشكلون حجرة عثرة في طريق الباشا القوي، أو لا يوافقون أهدافه ومراميه.
لم يترك جوستاف بابان وصفا قدحيا إلا ونعت به الكلاوي، مقدما بذلك ما يعتبره أدلة عما يقول، ومخصصا في كتابه هوامش كثيرة لتأكيد روايته التي حركت المياه الراكدة في المغرب وقتها؛ فقد جاء في ظهر الكتاب المترجم أن أحمد بلافريج قال عن هذا الكتاب بأن: “قراءته تجعل كل شخص يتسم بالعدالة ينفعل، وكل الأحداث التي جاءت فيه صحيحة، وحدها الإقامة العامة الفرنسية تجهلها أو تتجاهلها”.
ومما جاء في ظهر الكتاب أيضا أن المؤرخ الإسباني راميرو سانتاماريا كيسادا قال عن كتاب جوستاف بابان بأنه: “قض مضجع الڭلاوي، فكان على استعداد أن يدفع وزن نسخه ذهبا من أجل جمعه ومصادرته من الأسواق”.