Home Slider site مسرحية النمس ما بين التخييل الروائي والتجسيد الواقعي – كريمة دلياس
شاهدت مسرحية “النمس” التي اقتبسها الكاتب عبد الإله بنهدار من أحداث الرواية المغربية “هوت ماروك” للصديق الأديب والإعلامي ياسين عدنان، والتي تم عرضها في المهرجان العربي للمسرح بالعاصمة الأردنية عمان في دورته الثانية عشر، هذا العمل المسرحي يتميز بنقط القوة والضعف حسب وجهة نظر خاصة، والمتمثلة في ما يلي:
من خارج السرد الروائي:
1- عتبة العنوان “النمس”:
كلمة “النمس” تحيلنا إلى الشخصية الانتهازية والاستفزازية لرحال لعوينة بطل رواية “هوت ماروك”، والذي قرنه الروائي ياسين عدنان في كوميديته الحيوانية بشخصية السنجاب، الحيوان الجذاب، الذكي والحيوي، إلا أن السنجاب في الرواية كان أكثر مكرا في الخفاء، يختار ضحاياه بدون علمهم، يكيد لهم ويكيل بمكيالين، لكن كلمة “النمس” في المسرحية كانت أكثر تعبيرا لهذه الشخصية المعقدة في تركيبتها النفسية وتسلقها الاجتماعي، لما لها من حمولة ثقافية قوية في المفهوم الشعبي المغربي، حيث نرمز للإنسان الخطير والداهية وكثير المقالب بالنمس، وبالتالي دلالة النمس أكثر قوة وفتكا من السنجاب في لغتنا الدارجة.
2- السينوغرافيا والموسيقى:
التصميمات الفنية لمشاهد المسرحية راقية وأكثر إيحاء وجاذبية، بحيث تعتمد على الإطارات التي تفتح عوالم الشخصيات الافتراضية للرواية وتسمح لها بالظهور والتحرك داخل الخشبة بكل عفوية وأريحية وانسجام مع بعضها البعض، كما أن روح مراكش كانت حاضرة بقوة في العمل المسرحي من خلال تصاميم أزياء الممثلين الذي تميزت بطابع مغربي تقليدي خالص، ومن خلال العروض الفنية والفلكلورية للفرقة الموسيقية المراكشية، لكن بالمقابل غابت الرؤية الفنية للنص المسرحي الذي أفقد قوة وجمالية العمل الروائي السردي.
من داخل النص السردي:
ليس هناك اشتغال حقيقي على النص السردي للرواية الذي يعتبر الركيزة الأساسية للعمل المسرحي، والذي يجب أن يكون في مستوى الرواية وسردها القوي، وأن يظهر ذلك جليا بشكل فني وراقٍ في العمل المسرحي، في بداية العرض يظهر الممثل الذي يلعب دور البطل “رحال لعوينة”، يلقي السيرة الذاتية لعوينة بطريقة جافة وركيكة كأنه يقرأ من كتاب، الشخصية يجب أن تلعب بحس فني حركي راق وإيحائي، كما أن المسرحية انزاحت بعيدا عن الحمولة الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تطرقت إليها الرواية، واختزلت المشاهدة في الفرجة “الشعبوية ” من خلال الضحك والتهريج فقط، والمبالغ فيه في بعض الأحيان، على حساب العمق والأفكار والقضايا الكبرى المطروحة داخل النص السردي الروائي، وهي بالتالي أقصت عنصر الدهشة والفرجة الحقيقية للنخبة المثقفة التي لم يرقَ العمل إلى مستوى ذوقها وتطلعاتها.