حسابات غير استراتيجية لاغتيال قاسم سليماني! – د. محمد الشرقاوي

0
307
د. محمد الشرقاوي، أستاذ تسوية النزاعات الدولية، وخبير لجنة الخبراء في الأمم المتحدة سابقا.

هي مجازفة جموحة في لحظة انفعال تبدأ من مراقبي الوضع الميداني في بغداد، بعد أن كبر حجم المظاهرة أمام السفارة الأمريكية، إلى قادة الأسطول المرابط في مياه الخليج، وتنتهي عند جنرالات البنتاغون في واشنطن. ومما يزيد في معضلة التفكير الجماعي المتطابق groupthink بين البنتاغون والبيت الأبيض وجود إسم قاسم سليماني على القائمة السوداء على الوزارة باعتباره رأس حربة الجناح الخارجي للحرس الجمهوري في إيران. تصبح المفارقة “نووية” عندما يعطي الرئيس ترمب الضوء الأخضر لعملية الاغتيال دون المراجعة أو التشاور مع زعماء الكونغرس. وقد كتب في تغريدة له عبارة مثيرة بشأن نواياه من وراء الاغتيال “لم تكسب إيران أي حرب ولم تخسر أي مفاوضات”. هل يستقيم أي منطق بإطلاق النار بما يرقى إلى إعلان حرب على دولة خصم، ثم “استمالة” الدولة الأخرى للمفاوضات. هذه ترامبية تدور حول نفسها وتفتقر إلى أي حس استراتيجي أو أبسط أدبيات العلاقات الدولية. يزداد مسعى ترمب لاحتواء الأزمة التي لم يتدارك مضاعفاتها المرتقبة من خصم متمرس بالكياسة في رد الصاع صاعين، فيرسل مبعوثا عربيا إلى طهران يبلغ الإيرانيين “عزم ترمب رفع جميع العقوبات المفروضة عليهم إذا عدلوا عن فكرة الانتقام”!
من الواضح أن قرار اغتيال سليماني كان مخططًا لمنح ترمب مكسبًا سياسيًا في عام الانتخابات ووسط ملاحقته الأخلاقية والقانونية في الكونغرس، لكنه سوء تقدير لطبيعة الإيرانيين الذين يتحكمون في أربع عواصم عربية: العراق، سوريا، اليمن ولبنان. وإذا حاولنا ترجمة الاغتيال إلى السياق الأمريكي، يكون كما لو قتلت إيران نائب الرئيس الأمريكي.
قد لا تصل الصواريخ وبقية الأسلحة الإيرانية إلى الأراضي الأمريكية، لكن وكلاء طهران وأذرعها المنتشرة في الشرق الأوسط سيؤرّقون الدبلوماسيين وعملاء المخابرات الأمريكيين لأسابيع وشهور طويلة. ولن تقتصر قائمة الأهداف المحتملة عند الانتقام، الذي يأتي بشكل غير مباشر، على مواقع وشخصيات تؤيد سياسة ترمب، وبين السعودية والبحرين والإمارات خيارات متعددة قد لا يعمد ترمب نفسه حتى بالترحم عليها!

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here