اغتيال سليماني يستحق وقفات طويلة، لا تستوعبها تغريدة، فهذا الرجل ليس شخصا عاديا بحال، إذ يكاد يتفوق في أهميته على خامنئي نفسه.
بدون تردد؛ يمكن القول إنه مهندس مشروع التمدد الإيراني؛ لجهة التخطيط والتنفيذ في آن، وهذه حالة غريبة ومثيرة.
كل ذلك يجعل اغتياله حدثا بالغ الأهمية.
هذا الاغتيال يرد ابتداءً على تلك التحليلات السطحية التي كانت تتحدث عن تحالف إيراني أمريكي، ولا ترى أن الفوائد التي جنتها إيران من المغامرات الأمريكية هي نتاج طبيعي لعبثية تلك المغامرات، ولذكاء الاستثمار من الطرف الإيراني، وإن كان بعيدا عن المبدأ والشعار في أحيان كثيرة.
ذكاء استثمار إيران لمغامرات واشنطن لم يتواصل، فقد أصيب قادة المشروع (مشروع التمدد) بحالة من غرور القوة بعد ما حققوه في العراق، بجانب انتصار حزب الله (الأول والثاني) على الكيان الصهيوني.
عند هذه المحطة بدأ العبث الذي سيفضي إلى مأزق يجعل اتخاذ قرار باغتيال سليماني أمرا ممكنا.
تحدثنا عن العبث الإيراني الناتج عن غرور القوة، والذي جعل اغتيال سليماني أمرا ممكنا، لأن الاغتيال قرار سياسي وليس أمنيا وحسب، باستثناء حالات خاصة يعطي فيها المستوى السياسي للأمني حق الاغتيال ما تيسر ذلك دون رجوع إليه.
الوصول للرجل كان متاحا غير مرة، لكن القرار لم يكن متوفرا.
الآن يُتخذ قرار الاغتيال بعد أن أصبح سليماني عدوا لغالبية الأمة بما فعله في العراق؛ بتكريس نهج طائفي وحماية فاسدين، وبمجزرة سوريا، وكارثة اليمن، وفي لحظة رفض قطاع عريض من شيعة العراق له.
تقدير كهذا لا يفقهه عقل ترامب، فهو إما من الدولة العميقة، أو أن الصهاينة أقنعوه بذلك.
هل يعني ذلك أن قرار الاغتيال في هذه اللحظة كان موفقا بالنسبة لأمريكا؟
الإجابة ليست سهلة، إذ تعتمد على دقة تقدير الرد الإيراني، وجاهزية التعامل معه.
رد لا يبدو من السهل الجزم بمداه، إذ سيخضع لجدل داخلي عنيف؛ ليس لجهة القدرة على إيذاء أمريكا، بل لجهة التبعات المترتبة على ذلك.
قدرة إيران على إيذاء أمريكا والكيان الصهيوني كبيرة، لكن هل القدرة على تحمل التبعات كبيرة أيضا؟
هذا هو الجدل الداخلي الإيراني الآن، والذي قد لا نعرف نتيجته سريعا، لكنه سيُراوح بين ردود كبيرة قد تنزلق إلى ما هو أكبر، أو ردود محدودة سيراها الأمريكان عادية، قياسا بأهمية المُستهدف.