حين تكون أعلى الهيآت في أية دولة طبالة همها جلد الطبول ، فلا تستغرب أن تصبح جاليتها رقاصة لا تحسن الاستثمار إلا في هز أردافها، وحين تجد ممثليها الرسميين من وزراء وسفراء وقناصل ومن في منزلتهم لم يقرؤوا من الكتب إلا كتب طبخ شوميشا ومذكرات نييا، ولم يستمعوا إلا إلى تنظيرات دنيا باطمة في السب والقذف، ولم يحضروا من محاضرات طبقتها “المثقفة” إلا لتلك التي يعقدها عبد العزيز الستاتي والتي تمولها وتحتفي بها وزارات الثقافة، وتعتبر أن أبلغ المواعظ في قلوب المؤمنين هي أدعية الشيخة التراكس التي تفتتح بها حفلاتها ، وأن أعلى مراتب الفن والإبداع هي ما ينشره الدكتور عبد الله بوصوف “باسمه” من دراسات وأبحاث ومقالات في أفخم حلل النشر الورقي والإليكتروني، وقد دفع مقابلها لأصحابها الحقيقيين منحا وهبات خصصت أصلا للجالية المغربية ككل وليس لأتباعه المطالبين بتقديم البيعة له في كل موسم ميزانية جديدة. حين تكون الأمور على هذه الشاكلة فاقرأ سورة العهر على ضمير المغاربة سواء كانوا في الداخل أو الخارج.
المغرب، الذي أصبح يسوق تجاربه إلى الخارج سواء إلى دول المحيط عربية كانت أو إفريقية، أو إلى دول أوروبية، أو دول يريد أن يوقظها من سباتها الاقتصادي مثل اليابان الشقيق على لسان وزيره المبجل إياه، يبدو فاقدا لبوصلته تجاه جاليته التي لا يعرف معظم أفرادها كل بهرجة المجالس الموقرة التي خصصها لهم دستور 2011 الذي تذكر أنهم مواطنين مغاربة رغم انفصالهم الجغرافي عنه، وفاقدا لأي معطى يستطيع من خلاله تأطيرهم أو توجيههم بل وحتى ربط تلك المجالس بهم. كل ما استطاع فعله ونجح فيه حتى الآن هو تعكير صفو اندماجهم التام في بلدان إقاماتهم، وتعطيل قرار اكتمال مواطنتهم فيها والانسلاخ التام عن مكاتب مجالسه التي تسمسر فيهم وتستنزف الطاقات والأموال المخصصة لهم -زعما- والتي تتحول في نهاية المطاف إلى أرصدة مهربة إلى الخارج، الهدف منها كسب ولاءات شخصيات لا تأثير لها أبدا في صفوف الجالية لا على المستوى الديني الذي أصبحت أكبر شركة استثمار تديره، أو المستوى المدني، وما قضية أمين عام مجلس الجالية الدكتور عبد الله بوصوف وزوجته نزيهة المنتصر التي فجرتها الصحافة الإسبانية منا ببعيد.
حين تقف مثل هذه كيانات الدستورية على الورق في داخل المغرب الوهمية في الواقع خارجه، المحاصرة بفضائحها التي لا تنتهي بكل سلطانها المادي الذي يعد بملايين اليوروهات، وترسانة موظفيها الذين يكلفون خزينة الدولة “الشيء الفلاني”، وذبابها الافتراضي المنظم كجهاز مخابرات موازي للأجهزة الأمنية المغربية بالخارج، والمتغلغل في كثير من شرائح الجالية من روما مرورا بستراسبورغ وصولا إلى باريس وبروكسل ومدريد، ابتداء من عامل النظافة الذي يكنس شوارع بروكسل وقرطبة إلى السياسيين والإعلاميين ورجال الأعمال الذين “نجحوا” كوجوه مهجرية مغربية، بل وإلى الشعراء والفنانين وأهل الفكر، سواء منهم الذين يسبحون بحمد أرباب هذا المجلس أو الجهات المرتبطة به، أو الذين يتقمصون دور الحياد وهم في الواقع ألذ خصوم مغاربة المهجر. أقول حين تقف هذه الجهات عاجزة أمام مبادرات ابتدأت فردية واستطاعت صياغة رؤية وجودية حضارية لمغاربة العالم تؤمن بتحقيق المستحيل بعيدا عن كل مؤسسة أو سفارة أو مكتب مخابرات، واستطاعت بشفافيتها وطرحها الناجع أن تكسب ثقة مجموعة من الأدمغة والمواهب والطاقات المغربية بل وغير المغربية لتطلق بها مشروع هوية مغربية عربية و إسلامية، بل وتكسب حتى ثقة المنحدرين من الجغرافية العربية من غير العرب والمسلمين. فإن تلك الجهات الرسمية لابد وأن تستشعر الخوف والرهبة من هذا النوع من المثقفين الذي استطاع تحقيق ما عجزت عنه هي بدون أدنى دعم من أية جهة سواء كانت رسمية أو غير رسمية، مغربية أو “أعجمية”، دينية أو طائفية، وتتساءل أمام مرآة حقيقتها كيف يمكن ذلك!؟
الثورات المضادة ليست فقط سلاح الأنظمة الفاشية، بل أصبحت في عصرنا سلاح المجالس التي تستنزف دولتنا، فتلجأ هذه المجالس إلى تأليب الجمعيات المسماة “ثقافية” والتي ينحصر مفهومها للثقافة في منطقة “الحوض”، وتأليب أشباه كتاب وشعراء وفنانين تذلهم بعطاياها وتربط مصائر “كافيار” صحونهم برضاها، فيعجزون أن يقارعوا الطرح بالطرح والفكرة بالفكرة والإبداع بالإبداع، فأوج ما يستطيعون القيام به هو ما يحسنون فعله وما غرفوه من بروتوكولات حكماء صهيون وآمنوا به حتى جعلوها معتقدا لهم، ألا وهي مأسسة الفراغ وتنظيم الفوضى وتمويل التفاهة، فإن وجدوا في طريقهم مشروعا جادا قائما، حاربوه بالتشويه وقلب الحقائق حتى يظهروا أمام الناس بأنهم يوسف والآخر زوج زوجة العزيز، وما هم في الواقع إلا الشيطان نفسه الذي ألب صواحب زوجة العزيز على طهر النبي.
يعلم هؤلاء المسؤولون أن كل الفضائح تصل إلى جهات الأرض الأربع بسرعة تفوق سرعة الضوء، كما لا يستطيعون ضبط دائرتهم الضيقة التي تواكب معطى أخلاقهم ونزاهتهم، رغم ما يبذلونه من بذل مال وعطاء لشراء الذمم. فقد يحاول مسؤول مجلس ما في حي الرياض الراقي مثلا التكتم على زيارات زوجته المتكررة التي يفشي إليها جواسيسها بتفاصيل شغف “بعلها” بكل سكرتيرة جديدة لمكتبه، ويحاول حارس البناية أن يتكتم على صرخاتها وولولاتها المنطلقة من باب المكتب الخارجي حتى سرير استراحة شبق “رب المرفق” الخائن، ولا تقدم في الأخير إلا رؤوسنا قربان صلح وتوبة عن نزوة شقراء أخرى على طبق غدر جديد.