”ماذا نعرف عن المجاهد الشهيد سيدي محمد أمزيان؟”:
هو من أبناء أحمد عبد السلام القلعي الريفي ولد عام 1859م. أسست عائلته زاوية في أزغنغان قرب مدينة الناظور عرفت بزاوية أولاد أحمد عبد السلام القلعي، تلقى تعليمه في لمسيد كسائر أبناء الريف في تلك الفترة. عمل في شبابه بالتجارة بين الريف والجزائر، عُرف بحميد الخصال وبحبه للوطن، فحظي باحترام أهل الريف وأشرف على توقيع العقود، وقصده الناس لتسوية النزاعات، ورغم أنه لم يدخل إلى المعترك العسكري إلا بعد أن بلغ الخمسين من عمره، إلا أن مكانته في قبائل قلعية الريفية أهلته لقيادة الحرب ضد الإسبان، وعندما ظهر الثائر
بوحمارة كان سيدي محمد أمزيان من الأوائل الذين انتبهوا لتواطئه مع الاستعمار، فتصدى له وعمل على فضحه.
وفي عام 1909 وقعت معركة كبيرة بين مجاهدي قبيلة قلعية بقيادته وبين الجيش الإسباني، أسفرت عن إنزال الإسبان لجيش كبير قام بمهاجمة القبيلة هي ومن جاورها من قبائل الريف، فتصدى له سيدي محمد أمزيان في منطقة الديوانية وخسر الإسبان ما يقرب من 3000 جندي ما بين جريح وقتيل.
أدى هجوم الإسبان الغادر على قبيلة قلعية إلى انتفاض قبائل الريف لنجدتها، فرابطت القبائل انتظارا لخروج الإسبان من تحصيناتهم لأكثر من شهر، فلم يخرج الإسبان فتقرر أن تخصص كل قببلة بعض رجالها للرباط الدائم بسلاحهم وعتادهم في مواجهة العدو، واستحدث المجاهدون وسيلة سريعة لإعلام القبائل بأي هجوم مفاجئ للإسبان، بأن يقوم أول من يشعر بأي تحرك للعدو بإشعال النار كعلامة على ذلك، فيقوم كل من يرى تلك النار بدوره بإشعال مثلها، فكانت تلك الوسيلة أسرع الطرق لتجميع القبائل للتصدي لأي هجوم من الإسبان.
إضافة لقتاله الإسبان حرص سيدي محمد أمزيان على الاجتماع بالقبائل ليُلقي عليهم دروسا في باب الجهاد، وساعده في ذلك المجاهد محمد السيد حدو العزوزي، وظل على هذا الحال لخمسة أعوام، كبد خلالها الإسبان أفدح الخسائر في الأرواح والأموال، حتى استشهد على صهوة جواده في معركة الحمام عام 1912م، فحمل أعداؤه جثمانه إلى مليلية ليراه الجنود الإسبان ويطمئنوا بأن الرجل الذي خاض ضدهم أكثر من مائة معركة قد رحل. وبعد توسط بعض من لهم اتصال بالإسبان سلموا جثمانه ودفن بزاويته بالريف، وكان رحمه الله قد أوصى بأن لا يُبنى له ضريح، لكن عائلته وبإلحاح من الأهالي، بنت له ضريحا، أصبح فيما بعد مزارا يتوافد عليه الناس.
وسبب استشهاده أن أحد الجنود المرتزقة من قبيلة بني سيدال وشى به ويدعى أبو الجلود بويلماون، فمنحه الإسبان العديد من الأوسمة والنياشين، فراح يتباهى بها بين القوم، حتى احتل الإسبان تطوان عام 1913م، ودارت المعارك بينهم وبين الريفيين، وعندما سقط الخائن في يد المجاهدين لفت انتباههم
ما بحوزته من نياشين وهو مجرد جندي عادي، وعندما علموا حقيقة أمره أشعلوا نارا عظيمة وألقوه فيها هو ونياشينه.
__________________
المصدر بتصرف : “محمد بن عبد الكريم الخطابي ودوره في تحرير شمال إفريقيا 1920م — 1963م (وثائق ومذكرت)” تأليف الدكتور حسن محمد حسن البدوي، الطبعة الأولى 2017، ص.22 و23.