ماذا لو فاجأك إسهال في قطار الغلابة ؟ !
على كل بلاطة في الرصيف مسافر ينتظر القطار “المميز”، فهو الوحيد الذي يستطيع أغلب المواطنين بالكاد دفع ثمن تذكرته.. ينظر فى طوفان الناس ، يتمتم ، مستحيل على مثلي أن يتمكن من ركوب هذا القطار في خضم هذا الجمع الرهيب الذي يشبه يوم الحشر ، فليس هذا برصيف انتظار ، بل أرض محشر ، يتأخر القطار عن موعده ، زاده القلق إرهاقا ، لم يشغله تأخّر القطار قدر ما شغله هذا التَبلّد في مشاعره ، فقد كانت مشاعره في لحظات السفر تجيش وتهيم بشجن دفين فيسعفه بكاءٌ حبيب لحنينه إلى كل عالقةٍ بذاكرته ، يغيب فيه نشوان بطعم دمعته الرحيمة.. في القطار عثر على مقعد وشعر لحظتها بإيمان عميق أن العمل الصالح لا يضيع ، الزحام يأخذ وضعا مستحيلاً في القطار ، توغّل الليل ، والقطار يطوي المسافات ، تشتد قسوة البرودة ، والباعة لا يهدأون ” يلا بيبس، يلا عيش وطعمية، يلا كذا ” ويَمُر بائع الجلاّب “والجلاب هذا عبارة عن حلوى مصنوعة
من عسل قصب السكر” ، يناديه ، يأخذ واحدة من الجلاب لعلها تمنحه بعض الدفء ، تناولها ، ثم تدّثر بشال حول رقبته ثم أراح رأسه على الكرسي علّه ينام ، وبعد قليل بدأ يشعر بحركة في أمعائه ثم ما لبث أن سمع لها ضبحا يشبه ضبح أمعاء البغال والخيول ، شعر بألم شديد في بطنه “يا وقعتك الطين”هذا مؤشر لإسهال ، في هذه الظروف وفي مثل هذه القطارات التي لا تفي لوصفها كل مرادفات الإهمال ! ، فضيحة ، الألم يشتد ، يَعضُ على يده، يتمتم وعيناه في أم رأسه ، مالي والجلاّب ” يخرب بيت الجلاب على بيت اللي يبيعه “!! حاول أن يقاوم ولكن من ذا الذي يقاوم الإسهال ؟!، عربات القطار مكدسة بالركاب حتى الحمّامات ، والحاجة أكبر وأخطر من الناس المكدسة في الحمّامات ، طرق باب الحمام ” يا ناس بطني وجعاني مش قادر ” – ولا حياة لمن تنادي – ، يعاود الطرق على الباب ، والركاب في العربة بين ضاحك ومشفق عليه، ثم قام شاب من الذين يجلس معهم على المقعد متعاطفا معه ، قام يجري إلى الحمّام الآخر علّه يجده فارغاً من الناس في محاولة لإنقاذه ومساعدته ، ثم نادى عليه بأعلى صوته ” تعالى هنا الحمام دا فاضي”.. تتعالى أصوات الضحكات وتتعالى أيضا حدة الألم ، وصل إلى الحمّام الآخر بعد معاناة ، دخل الحمّام فوجده لا يصلح حتى للاستخدام الكلابي ، وماذا بعد في هذه الليلة المطينة بالطين ؟ نظر من خلال ضوء عابر من النافذة وجد كتلة من حديد على هيئة مقعد متسخ قفز عليه وكأنه قفز بالزانة ليفوز بذهبية أولمبياد موسكو ! ثم ما لبث أن يقضي حاجته حتى تعالى الطرق على الباب ، يخرج ” يشفطوه ” إلى الخارج يعود إلى مقعده ، تصاحبه النظرات من الركاب وضحكاتهم، والمتعاطفون معه يحمدون له السلامة ، يجري القطار والوقت معاً ، ينظر إلى الناس حوله تلفت نظره فتاة تلاحقه بنظراتها ، في البداية كانت نظرات خائفة خجلة ينشغل عنها ثم يجدها تلاحقه بنظراتها ، يمر الوقت والقطار يجري ، الفتاة الفاتنة تنظر إليه بقوة هذه المرة ، يطأطئ رأسه خجلا ، يمر الوقت والقطار يجري ، والفتاة تلاحقه ، يتحرك فيه غرور ما ، تحدثه نفسه أنه لا زال مصدرا لجذب الجنس الناعم ، ينظر هو إليها هذه المرة فتبتسم فيرتعش خوفا ويهرب بعينيه إلى أسفل ، ثم يباغتها بنظرة ، فتكلمه بشفتيها وهي باسمة ” عايز إيه “!؟ فيموت خجلا ، يستجمع شجاعته ، يشاور بيده ، تضحك الفتاة فهي أمام واحد “لخمة”.
يجري القطار والوقت ، ثم ينظر للفتاة يجدها تحاور أمها في هلع ، فينشف في جلده ، ماذا تقول الفتاة لأمها، هل تخبرها بما كان بيني وبينها من نظرات وابتسام وحب قد طفح على غفلة عليك يا روميو القطار ؟! ” وبعدين في ليلتك الطين يا روميو حتروح فين والعربية مليانة عيال عتاولة وحيشتغل فيك الرزع وانت مش حامل رزعة ؟!” ثم ينظر إليها في حذر ، يجدها لا تزال قلقة تحاور أمها ومن حولها في المقعد والمقعد المقابل ، بدأوا يبحثون عن شيء ما ، الفتاة بدأت تبكي، يتنفس الصعداء يحمد الله ، الفتاة تبكي بشدة – فالمحمول ثمنه غال جدا – ، ينظر إليها وهو لا يعرف ماذا يفعل لها ، هاجت العربة وماجت ، يتمتم ” تستاهل علشان خلّتني أنشغل بيها ” لكنه يود مساعدتها فهو أحبها ، يريد مساعدتها حتى ولو بالبحث معها ، يجري الوقت ويجري القطار وبكاؤها والمسافة ، يصل القطار محطة رمسيس..