لماذا كلُّ هذه الكُتب ؟! __ ذ. سيد مسعود

0
211

لماذا كلُّ هذه الكُتب ؟!

يسألونك: “لماذا تشتري كلَّ هذه الكتب؟” أو “هل قرأتَ هذه الكتبَ كلَّها؟”.
سؤال يُطرح لا محالة على كل محبّ للكتب ومولَع باقتنائها، مِن قبل مَن لا يقرأ ويصدّ الناس عنها أيضا ليكونوا سواءً.
طبعا تعرّض الكثير من الكتّاب للإجابة عن هذا السؤال، وقد اطلعتُ على بعض هذه الإجابات خلال مطالعتي المقالات المنشورة أو الكتب المؤلفة في موضوع الحثّ على القراءة. غير أنني لم أجد جواباً شافيا مُقنِعا مثلما وجدتُه عند جبرا إبراهيم جبرا، في قوله: «كثيرا ما يُبادرني زائرٌ يراني في داري مُحاطا بالكتب فيسألني بشيء من الدهشة: هل قرأتَ هذه الكتب كلَّها؟ وقد تعلمتُ مع الزمن أن أجيب: لقد اطّلعتُ عليها كلِّها».

فما أجمل هذا الجواب وما أصدقه وأدقّه ! “لقد اطّلعتُ عليها كلها”. فإنّك لا تطّلع على الكتب إلا عن طريق الشراء والاقتناء، وبعبارة: كل كتاب تقتنيه تطلع عليه، فلو لم يكن لك سوى هذا لكفى.
ومن فوائد الاطلاع على الكتب أن القارئ يتصرف معها تصرّفا يصدر عن علم ومعرفة، فيعطي كل كتاب حقه؛ فهناك كتاب يجدر أن يُقرأ حرفا حرفا وكلمة كلمة، وكتاب يستحق أن يكون كتاب العمر والحياة، وآخر يُقرأ منه ويُترك، وآخر يُتصفّح أو لا يجاوز النظرُ فهرسَ محتوياته. وإلى هذا المعنى يشيرُ الكاتب الإنجليزي، فرنسيس بيكون في مقولته الشهيرة: “بعضُ الكتب وُجد لكيما يُذاق، وبعضها لكيما يُبتلع، والبعضُ القليل لكيما يُمضغ ويُهضم، وليمتثله المرء في كيانه إلى الأبد”.
أورد الأستاذ جبرا في كتابه “معايشة النمرة” قول طلاب إحدى كليات أكسفورد، وهم يتكلمون عن (توماس إدوارد لورنس) قائلين: “إن مكتبة الكلية كان فيها نحو مائة ألف كتاب، وفي ثلاث سنوات من الدراسة تعرف (تي.إي لورنس) عليها جميعاً”.
نعم، قد لا يمكن الاطلاع المطلوب على هذا الكمّ الهائل من الكتب خلال هذه المدة، لكن القارئ يستطيع تبيّن الطريق قبل سلوكه، على أقل تقدير، مما يمكّنه من التصرّف الحكيم معها فيما بعد حسب ما مر في مقولة فرنسيس بيكون، وهو أول عمل يقوم به المثقّف والباحث.

لنحفظ هذه الإجابة الرائعة الدقيقة: “لقد اطلعتُ عليها كلها”، لنُفحِم بها كلّ من يسألنا، ناويا تحدّينا وتثبيطنا: لماذا كل هذه الكتب؟ وهل تقرأها كلها؟.

أخي القارئ، لا ينالنّ من عزمك على معايشة الكتب ما يقوله المثبّطون، لأنّ الكتاب هو الذي في حضرته تجد الأزمان المُدْبرة، والعبرَ المُنجية، والعظاتِ المُشجية، والتجاربَ المصقّلة، والعجائبَ المبهرة.
ألا ترى الدولَ قد اندثرت، والملوكَ قد نُسيت، والأسواقَ تعطّلت، والمنازلَ دَرست، والقصور تهدّمت، والحدائقَ بادت، والأموال بارت، والرجال هلكت، في وقت ترى الكتب وهي خالدة بحكمتها، والمؤلّفات باقية بمعارفها، على مر الدهور والعصور.

ولله درّ الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) القائل:
رَضينا قِسمَةَ الجَبّارِ فينا
لَنا عِلمٌ وَلِلجُهّالِ مالُ
فَإِنَّ المالَ يَفنى عَن قَريبٍ
وَإِنَّ العِلمَ باقٍ لا يزالُ.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here