فِي شِرْعَتِي هَذِهِ الْبلْدَانُ كَالحَرمِ
أَدْمَى ثَراها حُدودُ الذُّل وَالوَهمِ
اُتْرك ْ عُرُوبَتَها لِلقَوْمِ فِي دَمِهِمْ
قدْ زُمِّلتْ واكْتَفَتْ بالحُبِّ والكَرَمِ
لَا لَسْتَ تَحْمِلُ مِنْهَا عُرْوَةً لتَرَى
أَمْجَادَهَا جِذْوَةً مِنْ شُعْلَةِ الْقِدَمِ
اُنْظُرْ مِنَ الْبُرجِ فَالدُّخَّانُ مُنْبَعثٌ
منْ صَرْخَةِ الْجَوْرِ بَيْنَ الْكَوْنِ وَالعَدَمِ
هَلْ كانَ يَبدُو كَغيْمٍ مَرَّ مُحْتَمِلًا
دَمعَ الأسَى حَالَ بَينَ الصَّمْتِ والكَلِمِ؟!
أمْ أنّهُ مِنْ عُلُوِّ الأُفْقِ لَيسَ يُرَى
إِلَّا غبَارًا تَلاشَى فِي ذُرَى القِمَمِ
هَلْ أَمْطَرَتْ مِنْ سَمَاءِ القَيْظِ مذبحة
فَضرَّجَتْ بُرْدةَ الْخِذْلَانِ مِلْءَ دَمِ؟!
أَمْ أَنًّهَا عَطَّرَتْ بِالْمِسْكِ مَسْبَحَةً
فَاسَّاقَطَتْ دُرَرَا فِي وَاحَةِ الدِّيَمِ
اَلثَّوْبُ أَبيَضُ وَالْخيْبَاتُ منْ دَمِنَا
فَالْبَسْ حَرِيرًا مِنَ الْخَيبَاتِ تُحْتَرَمِ
وَالْهَثْ وَرَاءَ العِدَى يُؤْتُوكَ مِنْ فِتَنٍ
رُؤُوسُهَا زَمْجَرَتْ بِالقَتْلِ وَالنِّقَمِ
وَازْرعْ بُذُورَ الرَّدَى وَاقْطَعْ بسَطْوَتِهِ
عَهدَ الأَوَاصِرِ بَينَ الْبَدْرِ والنُّجُمِ
هَانَتْ بِصَحْرَاءِ مَجْدِي كُلُّ مَكْرُمَةٍ
لَكِنَّ فِي القَومِ نُوراً مِنْ سَنَا الشِّيَمِ
فِي ظُلمَةٍ خَلْفَ قُضْبان لهَا حَرَسٌ
عَاثُوا فَسَادا بِأرْضِ الخَيْرِ وَالنِّعَمِ
فِي ظِلِّهِمْ مِنْ سَمُومِ الْحِقْدِ مَظْلَمَةٌ
لمْ تألُ فِي النَّاسِ إلًّا أَوْ حِمَى الذِّمَمِ
هَا قَد بَنَوا مَعبَدَ الأزْلامِ مُنْتَصِباً
وَفِيهِ صَلَّوْا بِدِينِ اللهِ لِلصَّنَمِ
مَا أشْبهَ اليَوْمَ بِالْأَمْسِ الَّذِي مَرَدَتْ
فِيهِ الخِيَانَةُ فاخْتَالتْ بِلََا نَدَمِ
تُعلِي لِوَاءً بلَوْنِ الْحَقِّ مُزْدَهِيًا
تَمضِي بِهِ فِي سَبِيلِ البَاطِلِ السَّقِمِ
إِذَا سَمعْتَ لهَا طَبْلًا فَلَسْتَ تَرَى
مِنْ أيْنَ مَصْدَرُه فَاسْمَعْ وَلا تقُمِ
وَاجْلسْ إذا حانتِ الأخبارُ موعدُها
أثبتْ وفاءَك ردِّدْ صيغةَ القَسمِ
لكلِّ باغٍ بهذي الأرضِ ملحمةٌ
رقصٌ وطبلٌ ومزمارٌ بلا نغمِ
فاشْربْ علَى نَخبهِ كأسًا لَها غُصَصٌ
تجرعِ اليأسَ واترُكْ بلسمَ الحُلُمِ
وَاصبرْ علَى منْ بالسُّحْتِ قدْ ثملُوا
نامُوا سُكَارَى “وَعيْنُ اللهِ لمْ تَنمِ”!