قصيدة “بياضة” وفنون البلاغة المندثرة __ ظميان غدير

0
110

 

قصيدة “بياضة” للشاعر الكبير زياد بنجر، وهي قصيدة وصف لرحلة صيد بحرية ببياضة أحد الجزر التابعة لشواطئ جدة الجميلة.

كم طابَ لي الإبحارُ عرضَ بياضةٍ ..
و طربتُ إذ تأوي النوارسُ زورقي ،

نلقي لها من رزقِنا وطعومِنا ..
فتطيرُ نشوى بالعطاءِ المغدقِ ،

والأفقُ وجهُكِ حلوتي ،
والموجُ دربُك ..
والرسوُّ كشملِنا المتألقِ ،

فضلاً عنِ الصيدِ الأصيلِ فإنَّه ..
صِلةٌ لنا بك يا إلهي فارزقِ ،

قد تخلدُ الذكرى بقلبِ متيمٍ ..
كالشهد يذكره فمُ المتذوِّقِ ،

لكنَّ بعضَ الفقدِ يُعقِبُ حسرةً ..
والصفوُ لو ثبت الزمانُ لما بَقي

يا بحرُ صبراً فالغيابُ سينطوي ..
سنعيدُ ماخرةَ العبابِ ونلتقي.

ما يهمنا في نصّ شاعرنا هو إحياء فنون البلاغة المندثرة كإجادة التشبيه ومناسبته لموضوع القصيدة وسياقها، وحشد التشبيهات كلها ببيت واحد كأن يكون في البيت ثلاثة تشبيهات مثلما كان يفعل القدماء من الشعراء.

فالبيت الثالث من القصيدة :

والأفق وجهك حلوتي والموج دربكِ
والرسوّ كشملنا المتألقِ

شبّه وجه صاحبتِهِ بالأفق والموج بالدرب، وأما الرسوّ جعله كاجتماع الشمل.
والصيد كله ربطه ربطا جيدا مع صعوبة الوصول والحصول على المراد كذلك ما يحدث مع المرء بينه وبين الحبيب، وأيضا ربطه بحال العبد الذي يتوكل على الله في رزقه رغم المشقات في حصوله، رغم قلة الأبيات إلا أنه قال فيها أكثر من معنى.

وفي الشعر العربي أمثلة على هذه التشبيهات المحتشدة في بيت واحد :

مثل قول امرئ القيس بأربعة تشبيهات:

له أيطلا ظبي وساق ونعامة
وإرخاء سرحان وتقريب تتفل

أو تشبيه شيئين بشيئين كما فعل امرئ القيس وبشار بن برد:

كأنّ مثار النقع فوق رؤوسنا
وأسيافنا ليلٌ تهاوت كواكبه

وقال ابن المعتز ثلاثة تشبيهات :

بدر وليل وغصن … وجه وشعر وقد

خمر ودر وورد … ريق وثغر وخد

ومثل هذه الفنون صرتُ لا أرى مثلها كثيرا في أيامنا وإن وجدت ربما تكون التشبيهات غير مناسبة للسياق وموضوع القصيدة الأصلي، وللشاعر زياد بنجر روائع أخرى ممتلئة بطرائق البيان العربي الأصيل، فهو الشاعر المجيد في زمن السهولة الشعرية والمجانية في المعاني.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here