قصة واحدة في روايتين “في شراك أحمد بخيت” و “عصابة شيرين وببلاوي” (1) – جميلة الكجك

0
2044

 (1)

الروايتان منشورتان بصيغة – pdf – على النت لمن يريد الاطلال على نصيهما. وهما روايتان لقصة واحدة حقيقية متداخلة الأحداث، أبطالها: الشاعر المغربي “أحمد حضراوي” والشاعر المصري “أحمد بخيت” وسكرتيرتيه، والإعلامي المصري أحمد الببلاوي وزوجته”. هي قصة شاعر حمل حلمه بين يديه -“ديوان شعره”- متأملا نشره في دار مصرية للنشر هي دار -كليم للنشر- ولكن بدل أن يتم نشر الديوان، أدخلوه في متاهات لم يستطع الخروج منها، بل وجد نفسه يقع في شراك عمليات نصب واحتيال واحدة تلو أخرى، وقع ضحية نهم أخذ يتزايد يوما بعد يوم للحصول على المال منه تحت مسميات شتى من شراكات واتفاقات بدت في البداية مقنعة جدا وواقعية، وبدوا هم في منتهى الجدية والنزاهة، لكن يوما بعد يوم بدأت تتكشف له الأمور على حقيقتها، شعر بالظلم الواقع عليه، طالب بتنفيذ ما تم بينهم من اتفاقات، وإذ لم يتم تنفيذ أيا منها، حاول استرداد ماله الذي أنفقه، ولو بالتقسيط المريح فلم تتم الاستجابة له، كتب عدة إنذارات على موقع الفايسبوك خاصته للأشخاص المعنيين، وعندما عدم أية وسيلة يمكن أن ينصف من خلالها، أو أي طريقة ترفع الظلم عنه، وإذ لم يجد حينها من ينتصر له أو يناصره بعد الله إلا قلمه، أبدع روايتيه هاتين ليحكي فيهما حكاية قيم سحقتها أطماع بعض من النفوس المريضة بالأنانية وشهوة المال وإن كانت على حساب أحلام وأماني الآخرين، وإن كان المال من حيث قيمته يساوي النفوس ذاتها التي حصلته بجدها واجتهادها..

فالقصة بجزئيها: “الروايتين” تحكي عن مجموعة من صيادين وفريسة واحدة. صيادون نصبوا “الشراك” تلو الآخر للإيقاع بفريستهم وهو يخطو إليهم بثقة من يتطلع إلى بلد عظيم “هي مصر”، وإخوة أشقاء له هناك -كما حسب- جمعتهم رحم العروبة الواحدة. هو ينتظر إطلالة فجر جديد وتحقيق حلم يراوده منذ سنين، تسجيل شهادة ميلاد واحد من أبناء روحه “ديوان شعره” الذي حمله معه إليهم، وهم ينتظرون العملة الصعبة لتصب عليهم مطر الغمام، كل يحاول أن يملأ وعاءه حتى يفيض. فالعنوان في الرواية الأولى تصور “الشاعر” كفريسة لهؤلاء، والنص يؤكد أنه كان فريسة سهلة الاصطياد، فهم خبرة في مجال النصب والاحتيال وهو شخص خلوق تربى على القيم والأخلاق الفاضلة لا يعرف تلك الدروب الملتوية ولا يظن بالآخرين إلا الخير. والمشكلة في تلك “الشراك” أنها كانت مركبة لا أحادية، شراك وشباك متعددة متصلة ببعضها البعض بطريقة محكمة، واحدتها تسلمه إلى أخرى، سلسلة ما أن بدأت حتى أحاطته حبائلها وقيدته فلا فكاك. وكلما حاول أن يتخلص من إحداها وجد أنه ينتقل بكل سلاسة إلى أخرى ليعود ويجد نفسه مرة أخرى في أولاها من جديد، وكأنما هي متاهة لا سبيل للخروج منها، استنزفته ماديا ونفسيا وجسديا، ووقف خائر القوى، حائرا أمام كل هذا الزخم من المكر والخداع والتسويف الذي يرتدي ثوب التبرير ومحاولات الإقناع مرة بعد أخرى تدفع الفريسة دفعا الى التمهل والإحجام عن اتخاذ خطوات الخلاص من ذاك “الشراك” أو الانقلاب على الصياد، يمتصون غضبه ويقلبون الموازين لصالحهم، حتى كانت لحظة الحسم، لحظة التصميم على الخروج من المصيدة والفكاك من براثينهم، ووضع سيناريو النهاية، ولو على حساب خسارة المال وتبخر الأماني والأحلام التي جاء لتحقيقها وتلك التي حاولوا هم نسجها له وإن كانت في حقيقتها مجرد أوهام. ولكن كيف وقع هو في حبائلهم وكيف بدأت أولى خطواته نحوهم؟ سنعرف ذلك.

أولى خطوات الشاعر نحو “الشراك”:
من الملفت أن كل خطوة نحو ذاك “الشراك” كانت تحمل في ثناياها إشارات -علامات- ودلالات لو أن الشاعر تنبه إليها لما تقدم قيد أنملة نحو المصيدة، لكنها الأماني والأحلام وحسن الظن بالذات وبالآخرين من جهة، والطموح اللامحدود الذي يجعلنا نتطلع نحو الفضاء الممتد حتى أبعد نقطة في أفق الأمل ولا ننظر إلى ما تطؤه أقدامنا من طريق من جهة أخرى يجعلنا نقع دون وعي منا، وحتى وإن وعينا أننا وقعنا بالفعل نقاوم هذه الحقيقة ونحاول أن لا نعترف، فمن قابله الشاعر في أولى تلك الخطوات كان شخصا “يحتاج إلى ثلاثين سنة أخرى لكتابة نص يحترم ذائقية ومستوى القارئ العربي” – وقد دعاه إلى صالونه الأدبي، ولكن ما أثار شكوك الشاعر وجعله يشعر بالإحباط نوعا ما أنه أحس بما أثار ريبته إذ عبر عن مشاعره تلك بقوله: “صافحني بحرارة وهو يهم بالنزول من القطار وكأنه وجد ضالته أو ربما فريسته، فالمقابلة الأولى تلك كانت في قطار بروكسل عند عودة الشاعر من عمله بعد يوم متعب، قابل من ادعى أنه روائي عربي وشاعر وناقد متمكن وناشط ثقافي، فلم يتوان عندها الشاعر من إطلاعه على بعض قصائده التي بهر بها هذا الروائي.
 وكانت الخطوة الثانية امرأة أبدت إعجابها الشديد وحماسها لقصيدة الشاعر التي ألقاها في الصالون الأدبي الذي دعاه إليه ذاك الروائي، فقد اختصرت المسافات وتجاوزت الحضور لتقترب من الشاعر باندفاعها وابتسامتها لتحييه وتصافحه وتخبره بطريقة غير مباشرة أنها ستسافر إلى القاهرة لتستلم ديوانها الأول والذي أنجزته لها “دار كليم للنشر” والتي يديرها الشاعر المصري المعروف ” أحمد بخيت”. لم يهتم الشاعر لا لاسم الشاعر ولا لدار النشر ولا حتى لتلك المرأة، كل همه كان كلمة -ديوان- الحلم الذي ما فتئ يراود مخيلته منذ زمن، فاستحضر في ذهنه “مصر”. فهذا الاسم ومشاهدته الحية لشاعرة مغربية ستستلم ديوانها من هذا البلد الكبير. أو كما قال: “بلد أحمد شوقي وحافظ إبراهيم والعقاد. كان ذلك لي نجاحا ما بعده نجاح، ثلاث حروف كان إيقاعها في أذني أعذب من سيمفونية كاملة..”

 وتتوالى الخطوات وإذا بالشاعر يقع في “مصائد” عدة قبل أن يقع في “شراك” الناشر أحمد بخيت، تتنقل خطاه من واحد إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى، ومن حالة إلى حالة. يرى بعينيه ديوان السيدة المغربية وقد أنجز، وبالرغم من أنه ليس بالمستوى المطلوب إلا أنه يراه مقبولا، لا بأس به، المهم أنه تحول من كتابة على مسودات محفوظة إلى ديوان مطبوع، مما شجعه على إنشاء حساب له على “الفيس” -كما أوصته تلك السيدة- للتواصل معها ومع مجموعة من أصدقائها الشعراء المصريين الذين وجد ضمنهم أصحاب أقلام متمكنة من القريض.. ووجد كذلك حساب مصمم الأغلفة الذي صمم للسيدة المغربية غلاف ديوان شعرها، كما عثر على حساب الشاعر “أحمد بخيت” صاحب دار النشر. اطلع على كتاباته فوجدها في مستوى متميز بحق. إلى هنا والشاعر في حماسه ذاك لم يفتر رغم كل ما مر به سابقا في بلده المغرب من محاولات للنشر لم تكن في المستوى المطلوب. وجد أن الكل يتعاملون معه بما يوحي بالثقة إلا ذاك (الروائي العربي) الذي جعله يستشعر أنه مجرد فريسة بالنسبة إليه. لكن ما أهمية ذلك أمام كل هذه الآمال التي ترتسم في مخيلته بنشر ديوان شعره وربما دواوينه كلها، ومتى؟ قريبا!

بدأت المفارقات تحدث عندما بدأت تلك السيدة المغربية تصر على أخذ دواوين شعره إلى مصر لعرضها على أصدقاء لها ليقوموا بنشرها ورغم ذلك لم يتم نشر شيء منها ليكتشف هو ذاته فيما بعد أنهم مجرد -شلة نصابين وحرامية- ولتتوالى الأيام ويتضح له أنها كانت تعده بشيء وتتصرف بما يناقض هذا الوعد، فقد بدأت الغيرة تدب في نفسها من اهتمام الشعراء بكتاباته، فقامت بإخبار وسيط النشر بأن الشاعر ما عاد يرغب بنشر قصائده. عرف ذلك عندما عثر على رقم هاتف الوسيط ذاك ليدخل معه هو الآخر في دوامة وعود جديدة لا إنجاز تنتهي إليه.

تحول في لحظة من اليأس إلى الأمل عندما تحدث إلى مصمم الأغلفة، فمن أول حرف دردشة معه أحس برقي أخلاقه ومستواه العالي في الحوار وبشعوره الأبوي اتجاهه، وأنه هو ذاته المدير الفني لدار النشر التي جاء ليلتقي بصاحبها، ومن خلال مكالمة هذا الأخير مع صاحب الدار “أحمد بخيت” يعرف الشاعر أن “أحمد بخيت” يعرفه، ليتساءل في نفسه: كيف لشاعر مشهور أن يعرف شاعرا مغمورا مثلي!

أحس وقتها بنشوة لم يستشعر مثلها من قبل، “يومان فقط على وصولي إلى قاهرة المعز، وكل شيء تمنيته من هذا البلد الأمين ينسكب أمامي كالشاي المصري في الكأس التي ناولني إياها مصمم الأغلفة في حجرة مكتبه ببيته.. أحسست أني سأودع معاناة مأساة النشر التي لاحقتني منذ أعوام طويلة”. في تلك اللحظات نسي أو تناسى كل ما حدث له ومعه منذ أن وطئت قدماه أرض مصر، منذ أن توجه إلى سيارات الأجرة وحتى استقراره في آخر فندق نزل به، وحتى مقابلته مصمم الأغلفة..

شراك واحد كبير بحجم أحلام الشاعر وأمانيه يبتلعه ويدخله تيها متشعب الطرقات ولكن دون خيارات، يتنقل بالرغم عنه من مصيدة إلى أخرى لتشتد القبضة على المصير وتسيره خطى الصيادين بالرغم عنه من مصيدة إلى أخرى. تستشعر الفريسة صوت العقل لتسكته النفس الطامحة إلى تحقيق الأهداف التي جاءها يسعى وراء نجاح متأملا.. ها هو الشاعر في أرض الأحلام في يوم تحول من موعود إلى مشهود، ينتظر بفارغ الصبر أن يقابل من اختصرت في شخصه كل تلك الأماني والأحلام “كطفل ينتظر يوم العيد ليحصل على لعبته الجديدة”، وها هو في سيارة الأجرة متوجها إلى البوابة السحرية التي ستدخله إلى عالم الشهرة، وستحمل قصائده إلى كل صاحب عينين. أمسك الورقة التي كتب فيها عنوان صاحب دار النشر وأخذ يمليه على السائق ليكتشف أن ما يتلوه ليس هو ذاته العنوان الرسمي المنشور لدار النشر تلك! طرد أية فكرة كان من الممكن أن تثير في نفسه الشكوك، لكنه بالرغم عنه استشعر أمرا غريبا آخر في توقيت الموعد، فكيف لصاحب دار نشر أن يعطي موعد عمل في التاسعة مساء في مكتبه، لكنه أيضا حاول طرد أي شكوك، وأخذ يقدم التبرير إثر التبرير لترتاح نفسه ويكمل الطريق إلى المكتب. لكنه ما أن وصل إلى العمارة وحسب العنوان بدأت حقائق أخرى تتبدى له، فهذه عمارة رغم وجودها في حي -المهندسين- الراقي إلا أنها عمارة متسخة، تزكم الأنوف، تفوح منها روائح الرطوبة والزبالة والقاذورات المتناثرة هنا وهناك حتى أمام دار كلم ذاتها. تسمر الشاعر للحظات وقبل أن يقرع جرس الباب فتح له “أحمد بخيت” الباب فأنساه في لحظات الاستقبال تلك كل ما رأى وشاهد وتفكر فيه وتشكك. وقف أمامه رجل ذا ابتسامة سحرية، وعينين مشتعلتين، وسحنة نوبية، وشعر أجعد.. حياه بحرارة ورحب به ترحاب الأبطال الفاتحين ثم دعاه إلى الجلوس على أحد الكرسيين اليتيمين في المكتب..، ثم بدأت الأسئلة تنهال عليه بذكاء ولباقة.. ثم حاول الشاعر أن يعلم من صاحب الدار كيف له أن يعرفه قبل لقائه هذا به! فأجابه بما يقنعه ويزيل أية شكوك قد تكون تولدت في نفسه. خاصة أن الحديث بينهما اتخذ منحى الصديق مع صديقه أو القريب اتجاه قريبه. فقد تجاوز معه الألقاب ليخاطبه بهذه العبارة: “أنت كتبت كل هذا يا أبو حميد؟!” أحس الشاعر بالغبطة والفرح والسعادة، فكيف لمثله أن يتشكك في أمر الإنسان الرائع هذا. فها هو لا يتقرب إليه فقط ولكن يبدي إعجابه، بل انبهاره بديوانه وقصائد الديوان وهو يقلب الصفحات بين يديه. ليقول له: “الديوان ده ما حصلش يا أبو حميد”، أنا لازم أطلعه في أجمل وأرقى شكل على الإطلاق، الغلاف.. لازم يكون لميع ومن ورق خاص جدا..، ديوانك ده حيكون قفزة للدار. وفوق كل ده لك علي مقدمة من عشر صفحات بقلمي.. وحفل توقيع مشترك ما بيني وبينك لديوانينا اللذان سيصدران معا.. وده أقل شيء يا أبو حميد مع شاعر زيك.

بدأت مثل تلك العبارات تفعل في نفس الشاعر أفاعيلها، فهو شاعر مغمور حتى النخاع كما قال، وها هو يقابل شاعرا مشهورا وصاحب دار نشر ويخلع عليه كل تلك السمات التي لم يكن ليحلم بأن يقولها له أحدهم يوما.

سأل الشاعر عن تكاليف طباعة الديوان، ووافق على المبالغ المقترحة رغم محاولات السكرتيرة أن تنبهه إلى أن يتريث لكنه وافق وأبدى لها ارتياحه ظاهريا رغم أنه أحس بشيء من المبالغة في التسعير فهو الذي يريد أن ينهي الأمر دون مساومات ويود أن يحقق لديوانه المطبوع ولادة ميسرة. كان المبلغ الأولي 1000 يورو للطباعة وفوقها 200 يورو أتعاب، على أن يتم دفع 500 يورو مقدما. ثم قال له أتدري أنني أتقاضى 10 آلاف جنيه لكتابة مقدمة من كام سطر! لكنني لن أتقاضى منك أجرا عليها. استلم الشاعر وصلا بالمبلغ الذي دفعه ووقعا عقد طباعة الديوان وإن لم يكن العقد المتعارف عليه قانونيا لكنه يمكن أن يفي بالغرض.. كان الشاعر فرحا جدا بالصفقة ولم يستشعر وقتها أنه إنما وقع في شراك نصاب فكيف لشاعر مثل “أحمد بخيت: فوق أنه مشهور وصاحب دار نشر أن يتلاعب بسمعته من أجل بضع جنيهات أو يوروهات تفوح منها عرق الجالية العربية في أوروبا وهو من هو، وهو -أيضا- من له علاقات بأمراء الخليج!

نقوم نتعشى، كانت تلك العبارة كافية لتضع حدا لشرود ذهن الشاعر وشكوكه معا. أثناء العشاء لاحظ ارتباكا على السكرتيرة “هويدا” التي رافقتهما إلى المطعم ليعلم فيما بعد أن سبب ارتباكها كان لأنها هي من تحملت تكلفة مائدة العشاء تلك..

كان يوما تاريخيا بالنسبة للشاعر يوم أن وقع عقد طباعة ديوان شعره وهو لا يعلم أنه هو ذاته ذاك اليوم الذي أحكم فيه الكائن المفترس شراكه على فريسته، لم يكن يدرك أن بابا من أبواب جهنم “المعاناة” سيفتح له، يلج فيه لتتقاذفه أيادي الذئاب البشرية يدا تلو أخرى. لكنه وسط كل هذا كانت واحة أمان واحدة ووحيدة يرتادها هي منطقة “حي الزاوية الحمراء” التي يقطن فيها “مصمم الأغلفة” المدير الفني لدار النشر، والمقهى القريب من شقته كذلك، فقد أصبح البيت وكأنما هو بيته الذي يرتاح فيه ويرتاح إلى أصحابه، المصمم وزوجته التي لم يرها إلا نادرا، لكنه كان يستشعر اهتمامها بضيافته.

كان مجرد ذكر عنوان حي الزاوية الحمراء لسائق “التاكسي” مدعاة لاشمئزازه واستغرابه بل والتقزز، فما الذي يدعو شخصا محترما مثل الشاعر هذا لأن يزور ساكنا يقطن في هذا الحي. هكذا تساءل السائق مستغربا! لكنه، أي الشاعر، وجده حيا مثل أي حي شعبي آخر قد عرفه قبلا. دخل الشقة ووجدها شقة متواضعة إلا أنه أحس بالعبقرية السريالية تتناثر على جنبات غرفة مكتب المضيف. كان هذا الرجل يعمل بإخلاص، صاحب روح مرحة وكفاءة فنية عالية في التصميم، يتميز بضميره الحي. هو كاتب ساخر وشاعر، وقد كان قبل إحالته على المعاش مدير مدرسة. وكان الشاعر يرتاح لوجوده معه في أي مكان يتواجدان فيه حتى ذاك المقهى الشعبي البسيط الذي اعتادا الذهاب إليه والسمر فيه مع بعض من تعرف إليهم الشاعر عن طريقه وارتاح إليهم.

بعد فترة وجيزة ومحاولات عديدة تمكن “المصمم” من تصميم غلاف للديوان وجداه -الشاعر والمصمم- مناسبا. لكن القدر كان للشاعر بالمرصاد ليتحول “شراك” أحمد بخيت إلى ما يشبه كرة الثلج التي وقع الشاعر في منتصفها تتدحرج به نحو هاوية لم يستوعب كينونتها ولا حدود نهايتها، تلتف حوله بإحكام. ففي زيارة من تلك الزيارات لشقة “المصمم” حان موعد بث حلقة من برنامج حواري يقدمه شخص اسمه “أحمد الببلاوي” يستضيف فيه شاعرا من الشعراء. أعجب الشاعر بالبرنامج، عندها عرض “المصمم” على الشاعر أن يكون “هو” ضيفا من ضيوف صديقه “أحمد الببلاوي” في برنامجه ذاك وكانت الموافقة وكان اللقاء بكل سهولة ويسر. ولكن هنا أيضا يجد الشاعر نفسه يتلمس في مضيفه مفارقات ومتناقضات أصبحت هي طابع العلاقات في معظم من يقابلهم في ذاك البلد فحقيقة شخصية “الببلاوي” هذا وهو أمام مبنى المحطة تختلف عما كان يبديه أثناء المقابلة، وتختلف عما كان منه أثناء الفواصل الإعلانية. لكن الحلقة بدأت وانتهت على خير بالنسبة للشاعر وطلب منه تسجيل حلقات أخرى إحداهما طلبها منه مدير المحطة نفسه. وهكذا بدأت معرفته بالصياد الثاني الذي سيحاول إيقاعه في مصيدته هو وزوجته شيرين، وأن يتقاسماه.

بعد فترة حمل الشاعر تصميم غلاف الديوان إلى صاحب دار النشر “أحمد بخيت” بعد عدة محاولات مضنية للاتصال به ولعدة أيام. كان التصميم كما قال الشاعر: يعبر بالفعل عن مضمون الديوان، فقد كان لوحة فنية تتضمن منظرا خلفيا جماهيريا لميدان التحرير، يظهر فيها ثائر ملثم يحمل علما كبيرا في صدارة الصورة، وتتبدى أعلام ثورات الربيع العربي، وعنوان الديوان، ومقتطفا من قصيدة: الفرعون الأخير. بعد كل هذا يواجهه ” أحمد بخيت” برفض التصميم كما رفض العديد غيره من قبل ودون أية أسباب مقنعة. بدأت الأمور بعد موقفه هذا تتعقد، فالمكتب مقفل باستمرار، والمواعيد غير صادقة، والهاتف لا يستجيب، وقد كانت آخر مرة قابله فيها يوم أن استوفى باقي المبلغ المتفق عليه “كله”. باقي تكاليف الطباعة وأتعاب صاحب الدار، ثم حصل كما يقال: “فص ملح وذاب”. لكن المفاجأة كانت إذ اتصل أحمد بخيت بالشاعر قبيل عودته إلى بلاده بيومين واعدا إياه بحضوره إلى الفندق واصطحابه إلى المطار لتوديعه وليطمئنه على إنجاز طباعة الديوان وإرساله إليه وعلى حسابه الخاص. لكنه لم يف بوعده ولم يأت ولم يرد على محاولات الشاعر الحثيثة للاتصال به قبل المغادرة! لتبدأ بعد ذلك رحلة الشاعر الثانية إلى مصر.. لمواجهة معاناة أشد وأمر وأكثر قسوة.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here