قراءة في لجنة النموذج التنموي – عبد المولى المروري

0
369

إن إحداث لجنة النموذج التنموي بقرار من الملك تعكس حالة من عدم الارتياح والقلق حيال الأوضاع التي يعيشها المغرب اقتصاديا واجتماعيا.. وهذا الإجراء إقرار واضح بفشل جميع المشاريع والبرامج والمخططات التي تناوبت عليها كل الحكومات والمؤسسات عبر تاريخ المغرب.
ومن الصعب إعطاء موقف موضوعي ودقيق عن هذه اللجنة، وأقصى ما يمكن تقديمه هو قراءة أولية من خلال مهمة هذه اللجنة، ومدة اشتغالها، وأخيرا طبيعة أعضائها.
1/ من حيث مهمتها:
إن مهمة هذه اللجنة تبقى غامضة وملتبسة لسبين رئيسين، الأول: غياب أي مرتكز قانوني أو دستوري يبرر إحداثها، والثاني: ما موقعها ودورها أمام البرامج الحكومية التي تشرف هذه الأخيرة على إحداثها وتطبيقها والدفاع عنها، ثم مساءلتها إما سياسيا أو شعبيا.. وما علاقة هذه اللجنة بالحكومة “المنتخبة”؟ وهل ستشتغل تحت إشرافها، أم بشكل مستقل عنها؟ ويبدو من خلال قرار إحداثها أنها تشتغل تحت الإشراف المباشر للملك وهي مسؤولة أمامه فقط.. وبالتالي هل مخرجات هذه اللجنة والنتائج التي ستصل إليها ملزمة للحكومة، أم ستتعامل معها هذه الأخيرة على سبيل الاستئناس؟
2/ مدة اشتغال لجنة النموذج التنموي:
لقد تقرر أن تنهي هذه اللجنة أشغالها خلال شهر يونيو 2020 القادم، وفي نظري ومن الوهلة الأولى، هذه المدة غير كافية من أجل الخروج بمشروع تنموي في مستوى التطلعات والتحديات التي تنتظر المغرب، ذلك أن تنوع وتعدد وحجم وعمق المشاكل والأزمات التي يتخبط فيها المغرب قد لا تستوعبها المدة التي خصصت لهذه اللجنة، وربما أن هذه المدة لا تكفي لمجرد وضع تشخيص دقيق وعلمي لهذه المشاكل وفق المعايير العلمية المعتمدة فضلا عن إيجاد تصور لحلها.. إن الأزمات التي يعيشها المغرب حاليا هي شأن يخص جميع المغاربة، شعبا وقطاعات ومجالات وجهات وأقاليم وفئات.. وليس شأنا خاصا بهذه اللجنة، الأمر الذي يحتم ابتداء فتح نقاش عمومي كبير يستدعي ويعترف بكل مكونات وفئات الشعب المغربي.. وهذا لوحده قد لا تكفيه السنة الواحدة.. وهو ما يستدعي تمديد مدة هذه اللجنة حتى لا تشتغل تحت إكراه وضغط الزمن، وينعكس ذلك سلبا على جودة ومصداقية عملها.
3/ طبيعة أعضاء اللجنة:
قد يبدو للوهلة الأولى أن اللجنة تعرف تنوعا وتكاملا على مستوى أعضائها، هذا فضلا عن تكويناتهم وتخصصاتهم المهمة والاستراتيجية، ولكن الواقع والحقيقة على خلاف ذلك، فرغم أهمية تخصصات أعضاء اللجنة المتنوعة، ومكانتهم العلمية في كبرى المؤسسات الدولية والوطنية، فهذا لا يكفي للاطمئنان لمخرجات عملها ونتائج دراساتها.. إن الأمر أعقد بكثير من هذه البساطة التي أخشى أن تشتغل بها اللجنة.. علما أنني لا أدري ماهي المعايير والاعتبارات التي تم بموجبها استدعاء هذه الكفاءات، هل بالنظر إلى مكانتهم العلمية ومراكزهم الدولية والوطنية، أم لاعتبارات أكاديمية وعلمية واحترافية وخبراتهم السابقة في المجال..؟
يتبادر إلى ذهني أن أول عمل ستقوم به هذه اللجنة هي تجميع كل المعطيات والمعلومات التي تهم الشأن المغربي اجتماعيا واقتصاديا وديمغرافيا وصحيا وتربويا.. واللائحة طويلة، بمعنى في كل المجالات.. أو على الأقل يجب الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات التي يجب أن تكون في غاية الدقة والصدق والمصداقية. إن هذه المهمة لوحدها تتطلب فريقا محترفا ومتخصصا في مجال جمع المعلومات وتمحيصها وتدقيقها وتصنيفها وترتيبها.. وهذا لعمري غير متوفر في أعضاء هذه اللجنة ، إلا إذا كانت هذه الأخيرة ستستعين بخبراء آخرين في مختلف التخصصات..
وفي نظري المتواضع ستأتي مرحلة تحليل هذه المعطيات والمعلومات وتشخيص حالاتها واستخراج الداءات والمشاكل الحقيقية.. وإن مهمة التجميع ليست هي مهمة التحليل في المجالات الاستراتيجية وعمل المنظمات.. فلا أدري هل تضم هذه اللجنة خبراء استراتيجيين في هذا المجال؟ وكم عددهم؟
ثم تأتي مرحلة إيجاد الحلول الناجعة التي تناسب الوضع والحالة المغربية التي من المفروض أن تصاغ على شكل “نموذج تنموي” كما شُيئ لها..
لست أدري هل اللجنة على حالها وتشكل أعضائها عددا وتخصصات والمدة المخصصة لها كافية لإخراج نموذج تنموي ينقذ المغرب من السكتة القلبية التي كان يخشاها الملك الراحل الحسن الثاني؟ وما هو تصور الحكومة الحالية لهذا النموذج بالنظر إلى برامجها التعاقدية مع الناخبين الذين صوتوا عليها؟ وهل النموذج التنموي كاف لحل أزمات البلاد دون نموذج سياسي ينظم الحياة السياسية بشكل يعطيها مصداقية أمام المواطنين ونجاعة تدبيرية لمختلف القطاعات الحكومية، ويجعل الحكومة مسؤولة بشكل حقيقي أمام من صوت عليها؟

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here