قراءة في قصيدة : “يوميات” للشاعر يوسف الهواري، ج (1) ــ د. جميلة الكجك

0
907

  هنا يختبر الشاعر “يوسف الهواري” معاناة الغربة واقعا ويرسمها قصيدة، ليحيل الوجع إلى ترانيم شوق فيبدع من خلال مقاطع قصيرة متناغمة الوقع، كأنما هي أنفاس عاشق ينتظر حضور معشوقته، كلما اقترب الموعد أو حرك الهواء من حوله الأشياء يتوقف ثم يعاود الشهيق والزفير. يستجلب مع الهواء رائحتها، يستجديه الظهور. رغم الحزن الشديد يستشعر القارئ دقات الطبول في صدره وهو يطالع الكلمات. حالة من التوتر تزداد مع كل مقطع. تقلب بين حالات متناقضة تتصفح كل احتمالاتها، حنين لوطن حاضر أبدا في القلب والذهن. ظل لكنه يتقد بمشاعر الاغتراب. لا ضوء في “ظلام لا عيون له”، لكن.. “بصيص ينساب من بين الغيوم”.
كل مقطع من القصيدة يمكننا النظر إليه على أنه “هايكو” مستقل، يحمل معنى مكتملا. لكن المقاطع معا “قصيدة” تحكي يوميات مغترب يحمل وطنه، حنينه إليه، عذاباته به وفيه. آمال تشب فتدفع النفس للأعلى، وتخمد فتتهاوى الهمة، تضعف. ونادرا ما يجتمع كل ذلك في نص واحد. إبداع يمزج بين عدة جماليات لفن شعر النثر. صور بديعة منفصلة متلاحقة، جمالها في تنوعها الذي يجمع الأضداد في مركب واحد. والمستحيل يصبح واقعا.. فـ “في الظل صحوي يوقظني” فكيف؟

في الظل
صحوي يوقظني.

في هذا المقطع الأول، “ظل” يريح لكنه في الغربة نيران تشتعل شوقا لوعي الغريب العميق بانسلاخه عن جلده، لمغادرته جذره المكين فيه. فإن كان يستحضر وطنه في وقت ضيقه فالوطن يحضر وحده في لحظة صفو وراحة، يتداعى طيفه، يتراقص أمامه، يستيقظ وعيه أكثر فيمتنع النوم. حالة من اليقظة مضاعفة تمر بالروح كسوط الجلاد وربما أكثر إيلاما. صحو يرغم على معايشته.

على حافة الوطن المنسي
نتهاوى كالأوراق اليابسة.

كيف لا وقد اقتلعنا من جذورنا، ألقي بنا في تربة ليست تربتنا. لسنا نحن المغادرون من نسيناه بل من يقيمون فيه. جعلوا وقته خريفا أصابنا جفافه. ترى كيف هم يعايشون وطنا نسوه. من يلم شعثنا حينها، من يعيد لنا وله الربيع، من يعيد اخضرارنا، وهل تعود الأوراق التي تساقطت بعد جفاف كما كانت.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here