نص استطاع أن يختزل الكثير من محاور اللغة ويبقي المعنى في عمق هذه اللغة بالرغم من الوجع الظاهر على النص، لكنه يحمل الكثير من الانزياح الذي يؤدي إلى تركيب الصورة الشعرية بزخم كبير، بحيث يشعر المتلقي بعمق لحظة الألم التي كانت هي المحور في أناشيد الروح لأن الشاعرة بنيت النص على نسق الاحتمال: (ربما).. أي أن امتداد المعنى بقي في عمق اللغة، وهذا ما جعل الصور الشعرية مشعة بأطياف مواسم الحزن كأنها سيمفونية الصورة، والمتكاملة بشكل يعطي لخيال المتلقي مساحات واسعة من التأويل، لأن الرؤيا التي كونت في محوره بقيت في عمق مسالك اللغة، لأن الدلالة ترادفت مع الاستعارة الذهنية للمدرك الحسي في تكوين الصورة الشعرية.. وقد استطاعت الشاعرة تهاني بكري أن تحقق التوازن النفسي اللغوي وفق صيغة الحاضر الغائب حيث بقى الانزياح يثبت الاستعارة مع البقاء على حركة الصورة الشعرية المتنقلة، وهذا جعل الصورة الشعرية مركبة على قدر المشاعر النفسية داخل النص. أي أن بؤرة النص بقيت تشع منها وتنسق شتات الرؤى.. نص عميق وموجع وبإيقاع لغوي تصويري ..
قصيدة “ربّما “:
رُبَّما !
ما زلتُ أحيَا
خلفَ الحياةِ بألفِ ميلٍ أوْ أكثرْ
رُبّما لي ذاتٌ أُخْرَى
بألفِ سُؤالٍ تَتعثّرْ
وَأنّى لهَا أنْ تَفقهَ البشرَ أوْ
تتصوّرْ
كيفَ للكَلماتِ أنْ تُمحَى
أو ْتتبخرْ؟
نقشا على أديم ِ القلبِ
كانتْ..
بسمةَ طفلٍ في سماء ِالرّوحِ
تُبحِرْ
وكنتَ أنت َسّيدَها
وملاذَها منْ بردِ الشّتاء
وأنشودةَ الممكنِ
السّاهرة، المهاجرة
على أطلالِ المحُالِ
وكنتَ أنت َسيّدَها وَمولاها
عددَ مَسافاتِ خَوفِكَ
ومدادِ صَهيلِ نظراتكَ..
تعزفُ لها أحْلى الأغْنِياتِ
فوقَ حبّاتٍ منْ رمالِ الأمنياتِ
حينَ تقولُ:
كلُّ شيءٍ بعدَ ذلكَ مُمْكِنٌ
كلُّ شيءٍ بعدَ ذلكَ مُمْكِنٌ..