قراءة في رواية 100 يوم قبل الأربعين لحسام باظة – د. محمد دخيسي

0
220

 

 

 

 

لماذا التأكيد على الأيام المتبقية قبل بلوغ البطلة “ألفت” سن الأربعين؟
لماذا اختيار الموعد المحدد لانبلاج الصبح، وانتقال ألفت من حياة العزوبية إلى حياة الزوجية؟
أسن الأربعين، هو زمن النضج واكتمال الشخصية؟ بين ألفت وحسين؟
ربما..

أسئلة كثيرة تراود المتلقي وهو ينتهي من قراءة “100 يوم قبل الأربعين” للكاتب المصري حسام باظة. وأسئلة أخرى يقترب القارئ من الإجابة عنها وهو يغلق آخر صفحة من الكتاب متعلقة بالسير العادي للأحداث، والنضج الحدثي لدى الكاتب بالانتقال من نقطة الصفر إلى نقطة الأربعين، ونهاية الرحلة بالفرح المشترك بين مجموعة من أبطال الرواية:
– مصطفى وصباح؛
– ألفت وحسين؛
لكن بعودة بعض الأبطال بخفي حنين:
– سامي يعود إلى ضلاله بعد أن استسلم أمام ألفت واعترف بحبه لها؛
– سعاد تتلقى رسالة الطلاق من زوجها عادل، بعد تسلل الشكوك حول خيانتها..

رحلة البحث عن السعادة؛ هي العنوان الأساس في هذه الرواية، اختار الكاتب حسام باظة أن ينقلها بالتدقيق والتفاصيل، بين مكاتب البنك الذي تشتغل به ألفت البطلة، ومنزلها مع أمها، وبعض الفضاءات الأخرى الخارجية المتنوعة.

ما يميز الرواية هو التسلسل العادي للأحداث، والتنوع في بعض اللحظات بين فضاء وحدث معين، وآخر لا ينسجم من حيث الموقف والوقائع. وهي تقنية جعلت الرواية حمالة لأوجه عدة من اللحظات السعيدة والتعيسة.

ألفت البطلة، ذات الوجه الدميم، كما أشار إلى ذلك الكاتب، وكما وصفها في كثير من اللحظات؛ تخترج حاجز الصمت والكتمان، لتعبر عن امتعاضها من ذاتها، وانكشاف بؤر التوتر النفسي والاجتماعي لديها. وتنسج خيوط اللعبة المركزة على المظاهر والظواهر الاجتماعية المميزة لحالتها، فتجرب كل الطرق للوصول إلى هدفها، لكن المائة يوم كانت مخيبة للآمال، ودافعة إلى جلب الخيبات والمآزق. حتى انتهت الفترة، وبدأ العد التنازلي نحو النهاية، ففي اليوم الثاني لعيد ميلادها الأربعين، اختار القدر أن يكون حسين (الرجل الطائش في حياته، عير المستقر، المتقاعد من سلك الشرطة) الحلَّ الذي ينهي التوتر، أو الغيث الذي يوقف العاصفة.

ينسج الكاتب حسام باظة خيوط لعبة القدر، وحكمة الله في خلقه، عبر حضور مكثف لدلالة العنوان في الرواية، فينقلنا في غير ما مرة إلى تحديد زمني معين، من أمثلة ذلك نذكر: مئة يوم على الأربعين، هي تعدها باليوم والليلة، وفي بعض الأحيان بالساعة، فهي ما زالت آنسة ترتعد فرائصها من بلوغ سن الأربعين.”

– “أنا في سباق مع الزمن 98 يوما، لو ما لحقتش أتخطب فيهم يبقى بجد القطار فاتني، يبقى عمري ماهاتجوز أبدا.”
– “تشابهت الأيام ومرت بطيئة ثقيلة تقترب من الأربعين، خمسة عشر يوما فقط تفصلها عنها.”
– – “ظهر تاريخ الخامس عشر من نونبر، الأربعون أصبحت رسميا، أتمت الأربعين..”

فالعد كان دقيقا، وحجز مقعد في قطار العنوسة بدا واقعا لا مفر منه، حتى يثبت العكس. والتتمة معروفة، فقط ت النهاية سارة وسعيدة، وعادت السلسلة الزمنية مجراها الحقيقي كي تعيش ألفت حياتها السعيدة التي تمنتها.إشارة ثانية نستخلصها من هذه الرواية تتمثل في أحداث ما بعد ثورة مصر، وهي إشارة ذكية من الكاتب حيث كان يربط بعض الوقائع بما ترتب عنه من تغييرات جوهرية بعد ثورة مصر ، حيث ربط بين ارتفاع معدل العنوسة في مصر والأحداث السياسية: “هو كان لازم الثورة تقوم يعني؟ هو أنا ناقصة، يمكن لو ما كانتش قامت وظروف البلد ما إتدهورتش كدة كنت إتجوزت.”
إلى جانب حسين شوكت الذي يعبر عن ندمه على أيام حسني مبارك: “لا، الناس فهمة كدة، وده في الظاهر بس، إنما الوضع أيام مبارك ما كنتش زي الوضع دلوقتي بعد 25 يناير وبعد 30يونيو، أيام مبارك كانوا مع الداخلية سمن على عسل، أنا شخصيا كان ليا معارف منهم كتير أوي.” وقد جاء هذا الاستنتاج بناء على إحالة حسين على التقاعد، بدعوى تطهير الوزارة من العناصر الفاسدة. كما أن الكاتب يحيل القارئ إلى بعض الظروف الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الثورة، وهي رؤية ربما تقدم الصورة الجديدة لمصر في ظل تأزم الأوضاع: “عندما ضربت الثورة مصر وانهارت الحياة الاقتصادية وعانى الناس معاناة شديدة، وعندما ارتفعت الأسعار وانهارت القوة الشرائية للجنيه أمام العملات الأخرى بعد هذا القرار الذي حرروا فيه سعر الصرف وحبسوا الشعب المصري خلف جدران الفقر والحاجة والعوز، لم أتأثر كثيرا.” والكلام على لسان ألفت وهي تعبر عن الحالة المادية المتيسرة التي تعيشها، وبخاصة أن البنك رفع رواتبهم بناء على ارتفاع القدرة الشرائية.

وهنا نقف عند التضارب بين الأوضاع المزرية التي أصبح يعيشها المجتمع المصري بعد الثورة، حسب ما جاء في الرواية، والشعور بالارتياح في بعض المصارف وبعض المهن التي لم تتأثر من الأزمة، بقدر ما كشفت عن السيولة التي تخدم الحاجة الشخصية بعيدا عن الرؤية الاجتماعية الشاملة.

هذه رؤية أولية لرواية “مائة يوم قبل الأربعين” لحسام باظة، وهي ذات نفس متسلسل تقليدي، يثبت القول الفاصل بين الحقيقة والخيال، بين الواقع والآمال التي يمكن أن تخلق السعادة، وتقوي إيمان الإنسان بربه ليعيش على أمل يوم الغد.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here