عند الشاعر أحمد حضراوي تفصح جدالية (اللغة\ القصيدة\ التجسيد) عن تكامل متين داخل مثلث، حيث أن التجسيد غالبا ما يستولي على النص.. استيلاء متوترا حينا كقوله: (وأد الشهادة فوق لوح رجامنا).. وهادئا حينا كقوله: (يتوسد الكلمات دون سهاد).
وما كان لهذا الاختلاج المصطخب أن يحصل على هذا النحو لو لم يستغرق الشاعر في هواجسه الشعرية استغراقا لا شبهة فيه.. ويتقن ربطه بالواقعي. وهكذا يتبدى المجسد كمعبر إجباري تمر من خلاله القصيدة إلى فضائها الأرحب..
أما عن اللغة فقد سارت بالقصيدة الهوينا.. وقطفت من شجرة الحكمة فاكهتها الكاملة في الضوء.. وعبيرها الخاص وتأججه.. وفي هذا المعنى يمنح أحمد حضراوي نفسه صفة العود الأبدي إلى معضلات طال تجذرها عبر تاريخ البشرية.. الإنسان التواق لاستعادة إنسانيته يستعين بالقصيدة ككاشف يضيء الوضع من عل.. إذ ليس أمثل من القصيدة لأداء هذه المهمة الإنسانية.. فهو في لحظة اختلاجها عبر أحزان أمم وشعوب تكسر الحب على تخومها.. ونهشتها المظالم واعتم مجالها.. وتكالبت عليها أسياخ الحديد والنار.. وفي أوج كتابتها انثال على كروم الألم وثمل منها.. فلم يعد النص مجرد كلمات، إنه روح تعلن عن تمزقها.. أحس أن هذا النص خرج من جسد الشاعر كما تخرج الروح المؤهلة لتجربة موت موقوت.. فعل إرادة البقاء.. وتدخلت لحظة الإيحاء الشعري لتحول دون حدوث الخواء والعدم.. قصيدة حكمتها ميكانيزمات العود الأبدي على حد تعبير نيتشه.. والتي أرى أن أحمد حضراوي مارسها بعفوية مكنته من تبليغ رسالة المعاناة والدعوة للسلام دونما عناء.