Home Slider site ضوابط القانون في ذكر أخبار البشر إبــّان وقوع الطاعون – محمد دحروج
ثم دخل يناير من سنة 2020..
ولـمَّـا هجم يناير من سنة 2020 بــدأ وباءٌ في الزحف على أهل الصِّين، وكانت العربُ تتابع الأمر وكأنه وباءٌ كتلك الأوبئة التي تصيبهم كلّ حين، غير أنّ الأمر اشتدّ بهذه الأُمَّـة الوثنية، وانقسم الناسُ ها هنا على أنفسهم، فمن قائلٍ إنما حاق بهم البلاء لمحاربتهم الإسلام وتعذيب أهله من قاطني هذه البلاد والتنكيل بهم، ومن قائلٍ إنما وقع هذا بهم لكثرة أكلهم الكلاب والقطط وأرجع القضية إلى العلم دُون الإله، وانقسموا بصدد انتشاره إلى فريقين، فـفـريق ذهب إلى أنـه ينتشر بخروجه عن أرضهم، وفريقٌ ذهب إلى أنـه يقتل منهم عددا ثم تنكسر حِـدَّتــــُهُ وكأنــه ما كان.
ثم أقبل فبراير من سنة 2020..
وفي أوّله بدأت الأخبار تأتي إلينا أنّ الوباء انتشر فخرج من حدود الصِّين إلى بلاد فارس، فحصد منهم ثلاثة آلافٍ، وتوقّفت حياة الناس بها وأصابهم رُعبٌ، وأُغلقت المدارسُ، ونزل الجيش إلى الميادين لمنع السير ساعات معلومة، وكانت الصِّين قـد حاربت الوباء بفعل تقدُّمهم في الصناعة، غير أنهم ظلُّوا في فزعٍ من عودته.
وفي آخره جـاءت الصُّحُفُ تعلنُ أنّ الوباء اجتاح بلاد رُوما فأهلك أهلها، وأصاب عشرات الآلاف منهم، وعلا صُراخُ الرجال والنساء بالشوارع والأحياء، ولم تمض أيامٌ حتى مات منهم عشرةُ آلافٍ، وخلت رُوما من أهلها، ولزمَ الناسُ بيوتهم، فما تسمع لعاصمة النصرانية من حسٍّ أو نـفـس، فكأنها مقبرةٌ عظيمةٌ.
وكان إذا مات الرجل منهم عصرته ميكنةٌ عصرا ووضِعَت خلاصة الميّت في بطرمانٍ وأعطوه لأهله، وتلك عادتهم من قبل وقوع الوباء، لأنّ الكثيرين منهم لا يؤمنون إلا بالطبيعة، وأمّا أصحاب الولاء للفاتيكان فهم على عقيدة النصارى في الدَّفن، غير أنّ الجميع أُجبرَ على قضية الميكنة العاصرة للأجساد مخافة انتشار الوباء بالدفن.
ثم هجم مارس من سنة 2020:
وفيه أذلّ اللهُ أُمَّــة الأمريكان باجتياح الوباء بلادهم، فأُصيبَ منهم مئةُ ألفٍ ومات ثلاثة آلاف في أيامٍ معدودات، وخسروا أموالاً عظيمةً، ونزل جيشُهُم إلى الطرقات يحول بين الناس وبين الاجتماع، وأُجبرَ الجميع على المكوث بالمنازل.
وفي آخر هذا الشَّهر كان الوباء قــد انتشرت أفعالُهُ بأرجاء الأُمَّـة المصرية، ومُنِعتْ الصلاةُ بالمساجد خوف العدوى، وأعلنت المآذن أنْ صلُّوا في رحالكم، فكانت مُدُنُ مصر وقُــراها عند حلول المساء كأرضٍ من دُون أُمَّـة، وأصاب المرضُ ألف إنسانٍ من أهلها، ومات أربعون، وكان أهل العلم في خوفٍ شديدٍ إذ كانت بلاد الصِّين تتاجر بهذه الأرض ولهم بها بضعة آلاف من العمَّـال، كما أنّ المصريين فــرُّوا من بلاد الطُّليان هربا من الوباء فإذا بأكثرهم جاء حاملاً العدوى، فشاء اللهُ أن تــُبتلى هذه البلاد، وأعلن الجيشُ منع التجوّل داخل الأحياء والمدُن، وحـرَّمت الحكومة السَّفر من إقليمٍ إلى إقليمٍ، وبلغ عدد القُرى المصابة ثلاثين قريةً، وانتشر الخوفُ بأُمَّـةِ (ادخلوها بسلامٍ آمنين)، وبلغت القلوب الحناجر!
ثم حاصرنا أبريل من سنة 2020:
وفيه تطوَّر الوباء، فبعد أن كانت علاماته أنـه يحُدثُ ألما بالعُنُق والُحنْجُرة أصبح يخترقُ بسهولةٍ نحـو الصدر فيفتك به فجأة، وقتلَ ثلاثة من كبار قادة الجيش وطبيبا غير من جُهِلَ أمرُهُ، وأخـذ أهل الوعي ينشرون بين الناس ضرورة المكوث بالبيوت حتى ينقضي شهرُ أبريل، وجلسُ كلُّ إنسانٍ بمكانه، حتى كان المجنون هو من يجُامع امرأته أو يـُقبِّل صبيانه إذ كان بهذا يـُهدِّدُ الجميع بالفناء، وكنتُ أجلسُ في داري لا تخرج أوقاتي عن الصلاة وقراءة كُتُب مؤامرات اليهود والماسونية وجماعة النورانيين، وكنتُ على يقينٍ أنـه وباءٌ تمّ تسليطه بأوامر اليهود عن طريق وبيد الأمريكان، وسلَّط اللهُ الكافرين على الكافرين، واختلط أمرُ الحرب فأُصيبَ المفسد من حيث لم يحتسب، وكان من لُطف الله أنـه علَّم المسلمين درسا في زمن استضعافهم، وهو أنـه لم يُصَب من الطاعون على جهة الكثرة الُمطلقة إلا أُمَّـة الصِّين وهي أُمَّـةٌ وثنيّـــةٌ معروفةٌ بعدائها للإسلام، وأُمَّـة الفُرس وهم شيعةٌ غُـلاةٌ يكرهون أهل السُّــنَّة، وأُمَّـة روما وهي معقل الفاتيكان والكاثوليك وأرضُ الصليب، وأُمَّـة الأمريكان وهم أكفر من على الأرض وأشدّهم عـداوة للمسلمين، وبينهم ستة ملايين من اليهود منها جماعة تحكم العالم بمؤامرات خفيّــة، وكانت رسالة الله إلى المسلمين أنــه قـذف الرُّعبَ في قلوب أعدائهم بين عشيّةٍ وضُحاها، فكيف بأهل الإسلام لو أقبلوا بصدقٍ وعادُوا إلى دينهم.
ثم دخلت سنة 2045
وفيها كان محمد دحــرُوج يمشي بين الناس وقـد جاوز الستين من العُمُر، فبينا هو في سيره إذ سمع شابــا يقول لصاحبه: هذا الرجل من زمن ما قبل الطاعون.
فــعـاد إلى بيتـــه فــشــرع في كــتـابــه “ضوابط القانون، في ذكر أخبار البشر إبــّان وقــوع الطاعـون”، وذكر أخبار الناس منذ مولده، وكان قبل اغتيال السّادات بثمانية أشهر، وإلى زمن الطاعون الذي وقع عام عشرين بالقرن الأول من الألف الثالثة من ميلاد المسيح.