صورة القانون لذا المجتمع ــ عبد الكريم ساورة

0
659

  كان المغرب على موعد مع لقاء كبير بمدينة مراكش، أعد له كل شيء، القاعات والفنادق والطرق، وحتى النخيل تم غرسه بالليل من أجل أن تكون مدينة الحمراء في أحلى حلتها، لكن كان ضروريا من أجل أن يكون المغرب المضيف لدورة المناخ كوب 22 في أعلى مستوياتها أن ينطلق من شعار البيئة للجميع ولكن ” بصفر ميكا “، ماذا عن إعداد رؤوس الناس ؟
يبدو في الظاهر أن الدولة قامت بما يتوجب عليها القيام به، وهو التحسيس بضرورة التخلي عن “الميكا” وتعويضها بشيء تم اختراعه في آخر لحظة، ولكن في الظاهر كذلك يبدو أن المواطن يرفض اقتراح الدولة ويعتبر ” قانون المنع هذا ” شططا وتجاوزا أخلاقيا في استعمال السلطة، وجب الطعن فيه والتصدي له بلا رحمة ولا شفقة.
هذا من جانب، من جانب آخر، مؤخرا الدولة وبطريقتها المعتادة فاجأت الجميع بمستجد أقل ما يقال عنه أنه ” غريب ” ، ويحرص على تغريم كل مواطن لا يحترم ممر الراجلين بغرامة 30 درهما . كانت صدمة المواطن قوية، واعتبر هذا الإجراء ضربا جديدا لقدرته الشرائية واختيارا لا يمت للواقع والمعيش المغربي بأية صلة.
هاذين المثالين، يقرباننا كثيرا من بنية التفكير والتطبيق لمؤسستين غير متجانستين، مؤسسة الدولة ومؤسسة المجتمع، وبذلك وجب علينا أن نتساءل : لماذا المواطن يرفض تطبيق قانون أو إجراءات سطرتها الدولة في لحظة معينة ؟
ولماذا هذه الأخيرة تصدر قانونا ما، ثم تتساهل في تطبيقه إلى أقصى الحدود ؟
في البداية لا بد من ملاحظة أساسية، تهم فلسفة القانون بالدرجة الأولى، ووجب التذكير أن نشوء فكرة القانون جاءت كثمرة لحماية فئة تملك الثروة من فئة لا تملك سوى سواعدها، ومن أجل التحكم وضبط العلاقة بينهما ضبطا مميزا كان لا بد من آلية جهنمية تجعل الفئات الميسورة مطمأنة كل الاطمئنان على ثرواتها وأرواحها وأبنائها، ولم تكن فكرة القانون سوى ” الآلية المقدسة ” لتحقيق هذا الهدف غير النبيل . ومن يومها، ولد القانون معوقا، طبقيا بامتياز لا يراعي سوى الفئة القوية في مواجهة فئة ضعيفة.
الغريب في الأمر، وبالعودة إلى تاريخ القانون نلاحظ أن أغلب الحركات التحررية ووجهت بقانون موضوع على المقاس من أجل أن يتم خرسها أو وأدها مبكرا، وحتى لا تكبر مثل الشجرة وتعطي فاكهة قد يتذوقها الجميع وتصبح فاكهتهم المفضلة. ففكرة تطبيق القانون يجب أن تظل بين يدي أقلية تسهر عليها وعلى الأكثرية الامتثال لها.
فعودة على بدء، فالدولة المغربية عندما نفذت الإجراءين ( تصفية الميكا، وتغريم الراجلين)، فهي قامت بذلك بشكل انفرادي، وبشكل متسرع جدا دون أن تأخذ بعين الاعتبار رأي المجتمع وهو الجهة الحقيقة التي لها ارتباط بالموضوع شكلا ومضمونا، وبهذا فالمجتمع كان رد فعله أكثر سخرية منه انضباطا، وأكثر انزعاجا منه ارتياحا، وانقلب السحر على الساحر ووجدت الدولة نفسها محرجة من قانون صادر عن هيئة لم تحترم خصوصية شعب لا زال يبحث عن لقمة عيش أكثر منه بحثا عن نظام عيش.
فصورة القانون لدى المجتمع، لا زالت تحكمها خلفيات وأحكام مسبقة، والمجتمع لا زال ينظر إلى كل قانون أو إجراء تتخذه الدولة هو نوع من ” مصادرة لحقه ” أو الالتفاف عليه، فهو ليست له أية ثقة بالدولة، فهو يرى أنها تعتمد على القانون من أجل إخضاعه واستنزافه وذلك باعتمادها على قانون الضرائب الذي يشتكي منه المواطن في كل مستوياته المباشرة وغير المباشرة، سواء في العقار أو الاستهلاك أو الإدارة أو السيارات أو غيرها من الضرائب، فصورة الدولة الوحش لا زالت حاضر بقوة في ذهنه.
بالمقابل، يجب أن نعترف أن المواطن بدوره هو الآخر يهرب من كل شيء يقيده بالقانون وبالتزاماته، وهو في كل مناسبة أو فرصة تتاح له يحاول أن يتملص من عبء هذا القانون، فهو يتهرب من أداء الضرائب التي في ذمته، كما يتهرب من نفقات الزوجة بطرق شيطانية اعتمادا على الكذب وفراغات القانون، وقد يصل به الأمر أن يتزوج بطرق تخالف الشرع عن طريق الزواج بـ “الكونطرا” أو زواج المتعة، كما يمكنه أن يستعمل الغش والتدليس والتزوير في كل ما من شأنه أن يدعمه ويؤازره في مهمة ما لا تستند على أي أساس قانوني.
المجتمع هو الآخر كائن عاق( من العقوق)، ويرفض الامتثال بالطرق الرضائية، ” أليس العقد شريعة المتعاقدين ” فهو مفروض عليه أن يخضع إلى قيود الدولة دون قيد أو شرط بمقابل أن توفر له هذه الأخيرة الأمن والطمأنينة ، لأن الإنسان في رعب وعداء دائم لأخيه الإنسان. أليس هذا هو التعريف الكلاسيكي للمنظر والفيلسوف الإنجليزي توماس هوبس في تعريف للدولة ؟ والأفراد في كل فرصة يحاولون التنصل عن واجباتهم اتجاهها، فهي تستعمل ما يمكن تسميته ” بالعنف المشروع ” من أجل إرجاع الأمور إلى نصابها، وهنا يظل الصراع خفيا بين الطرفين أو بالأحرى بين شرعيتين : شرعية الدولة الحامية، وشرعية المجتمع المحمي.
نهاية هذا الأسبوع، زفت الحكومة خبرا مفاجئا، وهو إعفاء المواطنين من رسم 20 درهما الذي أرق المغاربة 40 سنة، هل هذا الإجراء هو بمثابة بداية تصالح الدولة مع المجتمع بعد خصام طويل ؟ أم أن هذه المرونة في تطبيق القانون هي بداية لعواصف من الإجراءات والقرارات اللاشعبية في المستقبل القريب ؟
كان لينين يردد دائما: ” أي طباخ يستطيع إدارة البلاد ” لكن أي مستشفى قد يتحمل عدد المصابين الوافدين عليه ؟…

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here