نبهتها مرات عديدة وحذرتها من عواقب مراقبة ابنتها بتلك الطريقة الغريبة المبالغ فيها لدرجة اصطحابها يوميا إلى المدرسة جيئة وذهابا.
لم تقتنع كثيرا بكلامي في البداية لكنها أدركت أهميته الآن ولكن بعد فوات الأوان.. أتت تخبرني اليوم بأن ابنتها غادرت البيت منذ ثلاثة أيام والشرطة تبحث عنها دون جدوى ..
- ألم أخبرك سيدتي أن الحصار والضغط يُولدان الانفجار؟ ماذا كان السبب المباشر لهروبها ؟
- كانت راغبة في حضور حفل عيد ميلاد إحدى صديقاتها في إحدى المقاهي.. منعتها لأنني خشيت من ردة فعل والدها ..
- يا سيدتي نحن في القرن الواحد والعشرين ..الانفتاح على العالم على مصراعيه لقد أصبحت هذه الأمور الآن عادية ..
- أنا أخشى عليها من تعاطي المخدرات ومن الوقوع في أمور أخرى كثيرة..
- وماذا سوف تفعلين الآن وقد فقدت السيطرة عليها نهائيا؟
- أحاول أن أبعث لها بعض الرسائل بواسطة هاتف صديقة لها لا زالت على اتصال بها.
- أرجوك سيدتي حاولي أن تُشعريها فقط بالأمان ،لا تُعاتبيها ،لا تُحاسبيها ،لا تذكريها أبدا بما فعلته ..
كان ذلك هو الحوار الذي دار بيننا .. أخبرتها بأنني حاولت مساعدتها منذ البداية وقد تحدثت إلى الفتاة غير ما مرة لكن الأمور كانت قد ساءت كثيرا بينها وبين والديها .. لا يمكن تربية الأبناء في عصر الأنترنت والانفتاح بعقلية القرون الوسطى. تلك العقلية التي تعتبر الحرية تفلتا والاستقلالية خروجا عن الطاعة والتفكير المغاير جريمة. بينما لا يحتاج أبناؤنا في هذا العصر إلا لبعض التوجيه وكثير من الحرية والحب والعطف،لأن الحرية هي وحدها الكفيلة بمنح الثقة في النفس والشعور بالأمان اللازمين لبلورة الشخصية السوية .
” اللي بغاها كاع خلاها كاع” كما يقول المثل لأنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال ترويض الأبناء كما تروض الحيوانات . لا يمكن تحقيق الهيمنة المطلقة على شخص يفكر ويشعر في نفس الوقت وما خلقه الإله إلا ليكون متميزا و حرا ومبدعا.
الضغط على الزهور يقتلها ويفقدها لمعانها وبريقها .. كيف نحجب عنها دفء الشمس ونطلب منها أن تنمو وتترعرع ؟ لا شك أن بقاءها تحت الظل سيدفعها إلى الانتحار لا محالة .
كيف يمكن لمجتمعاتنا العربية أن تساير ركب الحضارة والأمم وهي لا تزال تعتقد أن منح الحرية للفتاة من أكبر الأخطاء وأن تربية الأبناء بشكل عام لا بد أن تمر عبر تضييق الخناق عليهم ومحاصرتهم وفرض نمط معين من التفكير وأسلوب حياة قديم أكل عليه الدهر وشرب !
