Home Slider site ديوان الشعر المغربي: في ذكرى محمد منيب البوريمي – الطيب هلو
في ذكرى محمد منيب البوريمي (1945 ـ 2001).
الشاعر الراحل محمد منيب البوريمي صوت شعري مغربي متميز، لاحقته لعنة الجغرافيا فلم ينل حظه من المتابعة النقدية والاحتفاء بمنجزه الإبداعي إلا قليلا. وقد زاد انحسار طبع أعماله الشعرية على مستوى ضيق في تعميق عزلته، فضلا عن عوامل أخرى، ذاتية وموضوعية، غطت تجربته بغطاء سميك وحاصرت منجزا شعريا كان بإمكانه أن ينافس في مستويات عربية.
هذا الصوت الشعري السامق أعلن عن انتمائه إلى جيل انحاز إلى الحداثة الشعرية بمقالته المبكرة “ثقافة العكاكيز” كما أنه، على الرغم من ثقافته الشعرية التراثية، فتنته جماليات قصيدة التفعيلة بكل مكوناتها الإيقاعية والفنية بتوظيف الرمز والأسطورة مقتفيا بشكل خاص خطى شاعرين كبيرين يحضر صوتاهما داخل أعماله الشعرية هما: الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي والشاعر المصري أمل دنقل. وبذلك اختط الشاعر لنفسه مسارا يميزه عن شعراء الجهة وعن كثير من الشعراء المغاربة. حلق عاليا نحو الشرق باعتباره سقف الحداثة الشعرية العربية، متجاوبا مع أكثر نماذجه نضالا ضد الفقر والتهميش والظلم، وانفتح على الشعر الإنساني الثوري خاصة شاعر الشيلي الكبير بابلو نيرودا الذي استعار منه عنوان ديوانه “إسبانيا في القلب” ليصوغ ديوانه الأول “مليلية في القلب”، ولا يخفى تأثره بهذا الشاعر الذي قرأه بلغته الأصلية وأعلن في ديوانه الأول أن له قيد الطبع ترجمة لديوانه “قصائد بدائية” (مليلية في القلب ص 68) ولعلنا نحتاج إلى فسحة أخرى لكشف مظاهر هذا التأثر الشعري ومقارنة النصوص ببعضها. بالإضافة إلى ذلك فمحمد منيب البوريمي شاعر طرّز قصيدته بكل ما يمتلك من أدوات فنية إيقاعا وبناء للصورة وتوظيفا للتقنيات الشعرية الحداثية من مونولوج وحوار وسردية، وبما يتوفر عليه من حس مرهف وخيال متقد ورؤية شعرية لها فرادتها، ليصنع صوته الشعري الخاص بين الأصوات الشعرية العربية المتميزة.
بالإضافة إلى ذلك فقد انخرط محمد منيب البوريمي في السجال النقدي من خلال أبحاثه ومقالاته المنشورة حول شعر الجهة تصنيفا وتعليقا. فضلا عن اهتماماته الأكاديمية النقدية بالرواية العربية التي أنجز من خلالها رسالته عن “الفضاء الروائي في الرواية المغربية الحديثة” وبالشعر من خلال مشروع أطروحته عن “الصورة الفنية في شعر الجواهري” وإبداعاته السردية المنشورة والمخطوطة.
كانت تجربة محمد منيب البوريمي الشعرية، في “مليلية في القلب” و”البكاء بين يدي عبد الرحمن المجدوب” ومخطوطه الشعري الذي نشر بعض نصوصه وأعلن عن أنه سيصدر تحت عنوان “مقامات امرأة من برج العقرب” وسيضم اثني عشر نصا، مجموعةً من المحاولات المثابرة لخلق هذه البصمة الشعرية الخاصة، ليكون شاعرا مغردا خارج السرب ومناضلا ضد محاولات الإقصاء التي عانى منها مجموعة من شعراء الجهة، منهم من مات بحسرته ومنهم من ينتظر. وقد ساهمت مكتبته العامرة والمتنوعة المشارب واللغات في انفتاحه العميق والواعي على منجز القصيدة العربية المتمثل في كبار الشعراء العرب المعاصرين الحاضرين بقوة في ثنايا نصوصه، وفي امتلاك أسرار الصنعة الشعرية رؤيةً وأدواتٍ فنية، وهو ما نعثر عليه في ثنايا قصائده، سواء بشكل معلن من خلال استدعاء تجاربهم ورموزهم وعناوينهم.
(من كلمة حول الشاعر في يوم دراسي حول تجربته، من تنظيم الصال22ون الأدبي بوجدة 2018).