ــ “مَــنْ أكــون”: رداحي محمد محمد رداحي من موليد دار الضمانة مدينة وزان، سنة 1974. أسكن الآن مدينة طنجة.. أمر فيها كل يوم على خطى ماتيس و بول بولز.. تكويني عصامي لم أدرس في الجامعات، درست في كل مكان من هذا العالم.. بالنسبة لي الحياة هي المدرسة الكبرى التي يمكن أن نتخرج منها ..أما في مجال العمل فأنا أشتغل في مجال الصباغة والديكور المنزلي..
ــ “الكتابة والحالة الإبداعية”: الكتابة بالنسبة لي هي الرئة الثالثة التي أتنفس منها ..و هي المعادل الموضوعي لحياتي ..أكتب كل يوم تقريبا ..أما الحالة الإبداعية فليس لها زمن محدد.. هي كمد روحي يأتي دون سابق إنذار ..حين أكتب أستجيب لنداء وجداني، هناك أشياء داخلية تصيح علي كي تخرج فأكتب..
ــ “الأماكن والفضاءات وذكريات الطفولة”: الأماكن و الفضاءات و ذكريات الطفولة هي النسوغ، هي الجذور، و لا بد أن لها تأثير في تكوين شخصيتي.. مدينة وزان بطابعها الروحي وعمقها التاريخي، وطفولتي التي قضيتها بين أزقتها العبقة بأريج التاريخ والروح لا بد أن يكون قد صنع جزءا كبيرا من شخصيتي ..أما العملية الإبداعية فأنا لم أقل كما قال ماركيز (لقد وجدتها وجدتها ماكوندو) لأن وزان كانت منذ الوهلة الأولى، منذ الحرف الأول، و أذكر أني كتبت أول نص بعنوان (وزان في وزان في وزان)..
ــ “الشعر والحركة النقدية بالمغرب”: بالنسبة للحركة النقدية في المغرب؛ الأكيد أنها لا تواكب المنجز الشعري الذي يزخر به المشهد الشعري المغربي، وأخص بالذكر التجارب الشعرية للشباب؛ هناك شعر وهناك حركية لشعراء شباب، لكن لا تواكبه حركة نقدية مع الأسف ..
ــ “الساحة الشعرية المغربية”: أما الساحة الشعرية المغربية؛ فيبدو لي أنها غنية خصوصا بعد أن أصبحت وسائط الاتصال في متناول العديد من الناس ..و أصبحت المواقع الاجتماعية متنفسا يساهم في وصول أصوات شعرية كانت مغمورة وليس لها حظ في البروز ..أعرف أنه في سنوات معينة كانت بعض الجرائد الحزبية ومعها ملحقاتها الثقافية الأسبوعية محتكرة من طرف بعض الشعراء الحزبيين، الذين كانوا لا يخجلون من إقصاء أي صوت شعري من النشر. الآن المواقع الاجتماعية أكثر ديموقراطية، ومن خلالها سقطت بعض الأساطير، و تبين أن بعض الأسماء أعطيت لها الفرصة للبروز فقط، وأن هناك أسماء باستعارات أقوى، ومنجز شعري أقوى لكن كانت مقصية، فقط لأنها غير مرتبطة بكيان أو تنظيم سياسي أو حزبي..
ــ “أن تكون شاعرا”: أن تكون شاعرا يعني أن تكون ترجمانا لكل المواجع..
ــ “مسيرتي والعصامية”: المسيرة ليست سهلة.. إن الأمر يتعلق بمسار مرير ورحلة موجعة بين الكلمة والزفرة والآه.. ليس الأمر سهلا أن تكون عصاميا ..الأمر يتطلب أن تكون من سلالة نبي الله أيوب.. لكني ربما وبحكم انتمائي لمدينة وزان، بما عرف عنها من وهج سياسي ومعرفي قد ساهم بقسط وافر في تكويني. كانت وزان دوما معقلا للفكر التقدمي، ومعقلا للمناضلين والمثقفين، لذلك وبحكم الاحتكاك أصبح لي معجما أتحدث به، ورصيدا ثقافيا ومعرفيا سأصقله فيما بعد بالقراءة، وكان لي صديق أخوه كان مناضلا تقدميا، بعدما عُيّن في مدينة بعيدة موظفا ترك مكتبة غنية في منزلهم، تلك المكتبة المنزلية وجدت فيها لأول مرة (الخبز الحافي) لمحمد شكري، و(الهجرة إلى المدن السفلى) لعبد الله راجع، ووجدت مجلات عديدة من بينها: (الثقافة الجديدة)، وبعض المجلات ذات الميولات اليسارية. من هنا سأبدأ في معرفة عبد القادر الشاوي، وبول باسكون، والعديد من الأسماء.. هكذا بدأت أحاول الكتابة متأثرا بكل ما قرأت، و يبدو أن عبد الله راجع رحمه الله أثّر في الأثر الكبير بعد قراءة كتابه (الهجرة إلى المدن السفلى) متبوعا بـ (أيادي كانت تسرق القمر)..
ــ “ميولي للشعر وأول نصوصي”: وسؤال ميلي للشعر بالدرجة الأولى يؤرقني، لأني بدوري أطرح هذا السؤال لأنه ـ أي الشعر ـ لم يترك لي متنفسا لتكملة عمل روائي ابتدأته منذ سنة ونصف..
منذ الطفولة أحسست بميول للشعر ..أذكر أين كتبت أولى القصائد النثرية التي كان لها بعد قومي: (حين سيستفيق أسدنا النائم سأكتب عزتي شعرا) النص قصير ضاع مع الأسف وأذكر مطلعه الآن فقط، اطلع عليه أصدقاء في مثل سني آنذاك وأُعجبوا به. لكن بعد خروجي من المدرسة بدأت أكتب في سرية وكأني أرتكب جرائم، لأن المطلوب مني آنذاك الشغل والكسب و ليس الكتابة، كنت أحس بالتمزق بين حب الحرف ومحاولات العيش .سنة 1992 أصبت باكتئاب حاد، كتبت تحت تأثيره مجموعة من النصوص الشعرية، أذكر من بينها: “فردوسية”. النصوص كان يطلع عليها أخي وصديقي الذي كان يزودني بالكتب من مكتبة أخيه.. كنت أكتفي بالمقربين مني في عميلة القراءة، وأكثر من أعرفهم لا يعرفون أني أكتب. والعديد من الأصدقاء الذين تفرقوا في مختلف المدن اكتشفوا هذه الأيام فقط أني أكتب الشعر و السرد.. وقد فرحوا كلهم بي، لأنهم كانوا يتصورون لي مسارا آخر غير الإبداع، بل العديد من الناس كانوا يتنبأون لي بمسار إجرامي و ليس إبداعي..
ــ “محمد شكري والعصامية”: محمد شكري يبقى أشهر عصامي، وقد كان صدمة بالنسبة لي حين اكتشفته من خلال “الخبز الحافي” في سن صغيرة..ثم بعد ذلك حرصت على قراءة كل منجزه الأدبي ..أحببت فعلا ذلك الرجل الذي قتل الأب الرمزي في كل شيئ.. تأثري به لم يكن بصورة كبيرة، لكني لا أنكر أنه أثّر فيَ بشكل من الأشكال..
ــ “روايتي”: أما روايتي التي أشتغل عليها فهي مستلهمة من لوحة حروفية كنت رسمتها منذ عامين ..و هي أي الرواية ستبدو للوهلة الأولى لمن قرأها أنها رواية غرائبية، لكن الأمر يتعلق برواية واقعية، وأحداثها واقعية، رغم أنه سيبدو للقارئ أنها نوع من التخييل المجنح ..فيها أحداث باراسيكولوجية، وقصة حب من النوع الممنوع.. كل أحداثها واقعية رغم أني متأكد من أن كل من سيقرأها سيحكم بعكس ذلك..
ــ “نصي الأقرب”: كل قصائدي بمكانة أبنائي، والأقرب هي قصيدة “فردوسية” التي كتبتها منذ أكثر من عشرين سنة، رغم أني لم أعد أحتفظ بها بل أحفظ نتفا منها فقط..
ــ “القصة والرواية والرسم”: رداحي القصصي لا زال يجرب و لا زال يجتهد ..و أنا دوما أعتبر نفسي تلميذا ..أكتب بين الفينة والأخرة نصوصا قصصية، وفي كل هذا أكون هاربا فقط من استبداد الشعر.. المشكلة هي أن قصصي أحيانا تسقط في الشعرنة.. أما الرواية فهي تفرض علي الآن التأني والصبر، لأنه جنس أدبي ليس بالسهل، علي ألا أتسرع ..الرسم أيضا أجد فيه نفسي بين الفينة والأخرى، واتجهت مؤخرا للحروف ..اللوحات الحروفية تعطيني فرصة الإبحار في وجود آخر..علما أن كل شيء انطلق من الحرف، و حتى أصْل الوجود حرف.. في اللوحة الحروفية أجد نفسي تحت تأثير صوفي، وأجد نفسي تحت سلطة رؤية الشيخ الأكبر للحروف، بل رؤياه أو رؤاه في الحروف، مع استحضار شكل الدائرة(دائرة الجدول الهويولاني)..
ــ “قصيدة النثر”: قصيدة النثر بالنسبة لي تمرّد على مجموعة من القيم والأشكال ..حينما أكتب قصيدة النثر أكتب من منطلق التحرر، والتعبير عما بدواخلي من مشاعر، أنا حين أكون بصدد التعبير عن غضبي فلن أحتاج إلى وزن أو عروض..
ــ “طقوس الكتابة”: أما طقوس الكتابة فعادية، وغالبا ما أكتب في المقاهي ..وحتى وسط ضوضاء المقاهي الشعبية أكتب، وأكتب كي أحارب التفاهة من حولي، أكتب كي أجدد دمي وكي أتنفس من وجود آخر..
ــ “الــــمــــرأة”: إن المرأة مقدسة في منجزي الشعري ..إني عاشق أقدس المرأة إلى درجة أسطورية ..إلى حد العبادة ..
ــ “تفاعلي مع الأمة”: بالنسبة لتفاعلي مع الأمة، فأنا أجد نفسي دوما ومن دون سابق إنذار منغمسا في قضاياها، أتألم بألمها وأحزن لحزنها، ألمي من ألمها، وفرحي القليل جدا من فرحها النادر. ومن هنا أندد بما يقع في مصر المحروسة من انقلاب على الشرعية ..ومن دوس اختيار الشعب بدبابات الجيش، كما أستنكر القتل الذي مورس على طرف سياسي لا ذنب له إلا الاحتجاج السلمي. كما أستنكر صمت أغلب مبدعينا على القتل الذي شهدته شوارع مصر من طرف الجيش، وكأن دم كل أولئك الشهداء ليس دما.. فحتى الدم عندهم مختلف؛ دم العلماني حرام، ودم الإسلامي حلال، وهذا تالله أمر مفضوح سيلقي ببعض مبدعينا إلى مستوى منكر..
ــ “الأجناس الشعرية”: بالنسبة لموقفي من بعض الأجناس الشعرية فأنا داعية حرية ..فلنترك كل واحد يجرب ما يريد ..وألا نحجر على أحد ونفرض عليه نمطا معينا من الكتابة الشعرية.. الشاعر يريد التعبير عن خوالجه فلنتركه يعبر بالشكل الذي يريد..
ــ ” الإبداع ومواقع التواصل الاجتماعي”: بالنسبة لما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فالكاتب أو الشاعر وجد مساحة وفضاء أكثر ديموقراطية يساعده على نشر بوحه، في مقابل ما كان يعيشه من إقصاء من طرف المجموعات التي كانت مرتبطة بأطراف سياسية معينة ..تصور معي أن الجرائد الحزبية هي التي كان من الممكن أن تستضيف الأسماء الشعرية الواعدة، إلا أنها اُحتكرت بشكل فظيع من طرف الحزبيين فقط ..أليس هذا عارا ؟ قد أقول أن هناك بعض التجارب التي لا زالت تتلمس الطريق، لكن علينا مد يد العون لها، ومساعدتها بالنصح والتوجيه والتقييم، فربما كانت يوما ما اسما لامعا.. أو ليس العديد من الأسماء الكبار كانوا هم أيضا يثغثغون حتى قالوا شعرا …؟ واسمحلي أن أقول لك أن هناك أسماء الآن تنشر في مواقع التواصل الاجتماعي لها منجز شعري أعمق من بعض الأسماء التي أُعطيت لها الفرصة فقط لأنها كانت محظوظة بقربها من تكتلات معينة …
ــ “مسيرتي الشعرية”: أنا صبور في مسيرتي الشعرية لأني خريج مدرسة الحياة التي تعلمت فيها الكفاح منذ نعومة أظفاري … لقد قاتلت في كل حياتي بدون خطوط دعم، وبدون سند.. بحثت عن الخبز في الصخر، وعن الورد في الجندل.. ما عانيته في مسيرتي الشعرية يبدو لي ضئيلا، قد يكون بالنسبة لشخص آخر مجهودا أسطوريا، لكن بالنسبة لي عاديا جدا، لأني مررت من ثقب الإبرة كثيرا من المرات، ووقفت على شفرات الحلاقة بكل حدتها..وأنا الآن لا أدعي أني رسخت اسمي في المشهد الشعري المغربي، ولكني أقول أني في الطريق إن شاء الله.. وسيبقى الإنسان البسيط، والوطن المسروق لافتاتي الشعرية، وسيبقى الدفاع عن المسحوقين ديدني..
ــ “هواياتي”: الهواية الأكثر جمالا في حياتي هي الرحلات على الأقدام، أجد فيها حياة أخرى ووجودا آخر ..عالم آخر تكتشفه وأنت تسير ليوم كامل أو لأسبوع كامل..
ــ “طموحاتي”: طموحاتي أن أكون في مستوى عصري وديني ووطني وإبداعي..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جرى الحوار بتاريخ 09 يوليوز إلى غاية 14 منه سنة 2013م.