حوار مع الشاعر المغربي أحمد حيدة __ ذ. نصر سيوب / د. فاطمة الديبي

0
1165

 

 

ــ مَـــنْ أكون: أحمد حيدة من مواليد سنة 1973 بمدينة قلعة السراغنة، قرب مراكش بالمغرب، وبالضبط بقرية أولاد بن رحال جماعة الصهريج. متزوج وأب لطفلين، إجازة في الحقوق سنة 1995 من جامعة القاضي عياض بمراكش. محامٍ بهيئة المحامين بمراكش..

في الجانب الأدبي كانت ميولاتي للقراءة والكتابة منذ سن مبكرة..

كانت أكثر الأعمال التي أثرت فيَّ في مرحلة أولى؛ أعمال جبران خليل جبران التي قرأتها في سن مبكرة، وطبعت شخصيتي بتميزها خاصة الأسلوب التصويري..

قراءة أعمال جبران أحالتني على نيتشه، فقرأت له ومنذ سن مبكرة بعض الأعمال، وخاصة هكذا تكلم زرادشت، التي كونت لدي قناعة أن مؤلَّف جبران النبي هو من فرط تأثره بأفكار نيتشه..

تعددت قراءاتي الأدبية ومن جميع الأصناف الأدبية، ومن مختلِف الجنسيات..

كتاباتي الأولى كانت عبارة عن خواطر على شاكلة الكتابة عند جبران. وكتاباتي الشعرية الأولى كانت فقط لإرضاء حاجة للكتابة، وكانت تعرض فقط على أصدقائي المقربين..

عضو مجلس إدارة العديد من المنتديات الإلكترونية المهتمة بالمجال الأدبي.. وعضو لجنة تحكيم عديد من المسابقات بها..

‏ــ نصّي الشعري الأول: نصي الشعري الأول كان عبارة عن رسالة إلى أمي.. النص الأصلي ضاع مني لكنني حاولت قدر الإمكان إعادة انتاجه، وضمنته ديواني الأول وعنوانه: (رسالة إلى أمي التي ما تسمعني)؛ منه ما يلي: أمي.. يا نبع الضياء.. يا عالما يمتد من أول البسمة.. وينتهي عند حدود السماء.. يا فرحتي.. يا امتزاج الثلج والنار.. يا سيل دمي.. يا كبريائي حين يضيع مني الكبرياء.. علمتني الحب والحب والحب.. فلن أحب غيرك يا سيدة النساء..

النص كتبته وأنا بعيد عن أمي وفي ظروف مرضها.. وكتبته ودموعي على الخد تجري.. قرأته لبعض الأصدقاء وبكيت.. وكلما قرأته تمتلئ عيوني بالدمع..

حدثوني عنك أمي.. قالوا إنك يا طفلتي الصغيرة مريضة.. أشعلوا نيران كسرى في جوانحي.. أحرقوا مدارج المنافي البعيدة.. وقلت.. واعدتني أمي.. معشوقتي أن نلتقي مع انبلاج شعاع الصباح.. وواعدتني أمي أن أموت بين يديها.. وتحملني كرضيع فوق ركبتيها.. وتشرح صدري.. وتدندن لي أغنية جديدة.. وتخفف بعد الموت الجراح.. أحقا ستنكثين كل العهود؟ أحقا تفعلين هكذا حماقات.. ما علمتني بعد الحب.. أمي إن للعشق صروف وحكايات.. وإن بعد العهد الكبير.. تبدأ دروس الخيانات..

بعد ديواني الأول وهو في غالب نصوصه ذو إيقاع ومقفى، وجدتني أكتب قصيدة العمود على بحور الخليل بتحفيز من صديقي الشاعر حميد بركي، الذي رأى منذ البدء أني متجه نحو كتابة القصيد بيتا..

الآن أعيش تحت سلطان قصيدة البيت لا أستطيع منها فكاكا..

‏ــ طقوس الكتابة: طقوس الكتابة عندي ربما لا تختلف عن باقي الكتاب والشعراء، باعتبار أن لحظة الكتابة هي لحظة ولادة حقيقية، أنفر فيها من الكل لأختلي بنفسي، نديمي القلم، وبياض الأوراق، وكأس بن لاذع .. هذه اللحظة سبق أن اقتنصتها في قصيدة لي بعنوان ولادة من متضمن الديوان، وسمي الديوان بها، وهي تتحدت عن ولادة القصيدة، منها:

كموج بحر..

يتحدى الصخر العتيد..

كليل قبر..

يسكن البيداء وحيد..

كصوت ببر..

جريح في الغاب شريد..

يجتاحني..

مخاض ولادة هذا القصيد..

وما من نخلة في مزارعي..

أشد إليها امتداد وجعي..

وما من أحد يرميني بالرطب..

وحدي في هذا المدى..

يحفني الموت..

ينذرني بالعذاب الشديد..

هذي النار تكوي جوانحي..

لا لي فيها هدى..

ولا لي كليم بعيد..

أحمل هموما بقدر الجبال..

وماضٍ لمنيتي..

باسما كطفل وليد..

ــ شاعر في كل شيء: إن الشاعر ليس له اختيار سوى أن يكون شاعراً، ذاك قدره. ذاته إناء تفيض بحروفها كلما امتلأت وتأججت.. ومتى كان مسكوناً بروح الشعر الفاجرة كما سميتها في إحدى قصائدي، صارت حياته مطبوعة بها، فلا يمكن أن يكون للحظةٍ الشاعر، وفي أخرى غيره.. الشعراء منتفخو العواطف، زائدو الحساسية اتجاه المواقف والكلمات.. سريعو التقاط الإشارات.. والشعراء؛ يكونون كذاك أولا يكونون..

أهديكم مقطعا من نصي (رقية شعرية):

غفت عيني

كان الكاهن الخزاعي

يقسم بأقماره الباهرة

وكواكبه الزاهرة

والأجواء الماطرة

أن جسدي التليد

مسكون بروح شاعرة

كذلك أخبره

جني

استرق السمع

في طور سيناء

قبل أن يصيبه شهاب

أسقط عنه

حمل الذاكرة

قال الخزاعي

أسقوه

دم ناقة

عقرت بعكاظ

ولتكبلوه على منحرها

سيقول قصيدة

يبعد بألف ميل

أولها عن آخرها

وينفث في القوافي

روح الشعر الفاجرة..

عكاظ

بدت امرأة مطمورة

تحت رمال الجزيرة

تستغيث من كرب

وقد لف الجيد

في مشنقة

حبكت من ضفيرة..

ونوق اليمن السعيد

سيقت إلى غير مضاربها..

والخناجر مغروسة

في أجداث فرسان العشيرة

عكاظ.. نبع شيطنتي

صرت أهذي

واليمن حزين

يشتكي مصيره..

ــ نصوصي الشعرية بعض من شخصيتي: كل النصوص تعتبر للشاعر بمثابة أبناء له، جزء من ذاته، تسربل كلمات.. النص الذي لا يصدر صادقاً من جوف الشاعر لا يبلغ القارئ.. أعتبر كل نصوصي بعضاً من شخصيتي، في كل تقلباتها؛ حين تحب، وحين تغضب، وحين تخضع، وحين تثور، وحين تفرح، وحين تتألم.. هي أناي مختبئ وراء الحروف..

 

أهديكم نصي الشعري: “كــــفـــــران”:

وكفرت بالأشعار تمدح فــاجــــرا

وكفرت بالأوزان تعـدل خـاســــرا

وكفرت بالأوراق تحبل ســـــؤددا

ومناقب الوهم الكبير مفــــــاخرا

سكن النفاق قصائدا فتساقطت

زبرا وما سَمَت المديح بصــــائـرا

عجبا لمن بقريضِ مزدلفٍ سمــا

بلغ العلا وهِماً، وأصبح قـــــادرا

سرادقٌ عبثوا ببعض حروفــــهم

طمعا وما نسَل الفجور ذخــــائرا

ولم العجاب ونحن نصنع ظــالمـا

ونعظم السفهاء، نرفع صـــاغرا؟

ونقبح الآلاء عند مخـــــــــــالفٍ

ولقول سيئنا نسيل محــــــابـرا؟

ومن الظلام ننير دامس فـرقــــد

ولنور شمسِ الحقِ نجعل ساترا..

 

ــ مرحلة الطفولة وفضاءات الصبا: مرحلة الطفولة وفضاءات الصبا عندي وربما عند غيري أيضاً، تشكل الملجأ الحلو الذي تستحب الذاكرة الرجوع إليه، والاختباء فيه، باعتباره رمزاً للبراءة، والتحلّل من كدر المعيش اليومي.. هي حاضرة باعتبارها الحاضن الأول لشخصية الشاعر، وحائط مبكاه.. هي حاضرة في نصوصي وبقوة؛ في نص رسالة إلى أمي ورد التالي:

وعلى مدخل قريتنا..

وعلى مرآى من ابن كلبتنا..

أقيمي مراسيم العزاء..

وقولي للآتين بعدي..

هذا الطفل الذي مات..

عاش.. مات..

كان ابن أمه..

يعشقها حد الفناء..

وتحت فرع شجرة الليمون..

واري بجفونك تحت الثرى هذا الجسد..

واكتبي على شاهد القبر لا أحد..

فطفلك أبدا لا يموت..

سيصبح حلمك الموؤود إلى الأبد.

ــ إكسير الكتابة الشعرية: لي تصور آخر ووجهة نظر ربما تختلف بعض الشيء عن الذي أوردتَه حول كون الحزن الذي يغلف كلمات النصوص يزيدها ألقاً.. ومفادها أن الشخصية العربية في عمومها شخصية مسكونة بشيئين: 1// شخصية مفتونة بالوجع، وتقمّص دور الضحية المغلوب على أمره. 2// شخصية تميل إلى تصديق الخرافة..

أحمد حيدة جزء من هذه الشخصية.. ربما تكاثفت عوامل عدة لتنتج الشخصية، أغلب نصوص ديواني الأول تنهل من الحزن: وتخشى عيوني// ورد العشاء الأخير للقمر// لست أنا // دمعتك// إني أموت// إني مسّني الضر// ضياع// كن اسمي يا صديقي // وجع// محرقة عاشق // رسالة إلى أمي التي ما تسمعني.. كلها نصوص بطعم الأحزان..

ضائع أنا..

بين حروفي..

وعيون الياسمين..

وسواد ليلي الغريب..

وقومي الذين..

حتى قبل أن أموت..

كتبوا في المراثي..

وشيعوني..

‏ ‏ الشاعر قبل أن يكون كذاك هو إنسان.. تنتفخ حواسه عن المألوف عند الناس.. كل ذاك يشكل ذاته التي يعبر عنها من خلال الكلمات..

ــ الأكثر حضوراً في عملي: الأكثر حضوراً هو الثقافي والأدبي والقيمي في صيغته العالمية.. أسعى لنص يتجرد من كل محلي مكانياً كان أو معيشياً أو عقدياً، ليعانق الإنسان في كينونته وقيمه الفضلى التي لا خلاف عليها.

ــ الشعر وماذا منحني: الشعر لغةٌ.. الشعر نمطُ حياةٍ.. فقد منحني متنفَّسا لإفراغ ما شحنته ذاكرتي من إشارات وصور.. ومنحني حب الآخر.. وهو ترياق لروحي..

ــ تجربتي الشعرية: لا أعتقد أني وصلت مرحلة تصنيف تجربتي ووضعها ضمن سياق محدد.. شخصيتي الشعرية تنمو وتغير أشكالها، ولا أعرف على ماذا سترسو في القادم القريب أو البعيد..

ــ علاقة الشعر بالهوية: سؤال الهوية سيظل مطروحاً وبقوة في النقد الشعري العربي، لأننا وببساطة نعيش استنساخ أنساق فكرية غربية، لم تولد ضمن مناخنا الثقافي العربي، بل في الفكر الغربي، وتم استجلابها دون الاهتمام بالبيئة الحاضنة..

ــ الحـــداثــــة: الحداثة في الفكر الغربي هي قطيعة مع مرحلة ما قبل الحداثة، وثورة على هيمنة الفكر الكنسي المنادي بالخضوع لصالح فكر تنويري عقلاني.. هذه الحداثة هل توافر مناخها بذات الشروط في واقعنا العربي؟.. الآن حديث عن مرحلة ما بعد الحداثة، أو نقد الفكر العقلاني.. نحن نستورد هذه الأنساق دون أن يكون الوسط الحاضن لها مهيئا.. طبعاً هنا يثور سؤال الهوية.. سيظل الجواب معلقاً لحين تبلور أفكار جديدة..

ــ القــيـــود: لا أتقيد بشيء إلا بما هو من صلب إيماني الذاتي، ورقابتي اللامعلنة على الكلمات..

ــ وطـــنــــــي: ليس لي وطن.. وذاكرتي لا تستعيد تباريح أحزان أو أفراح.. الحرف مملكتي.. والبوح إيماني.. ما زانت الأفق شمس إصباح..

دان نـــاس ديــن ريــع ودنــــت /// ديــن حــرف ايــس فيـه جـريبـا

صــرت فيــهـم مثل طيـر بمـــرج/// قــد رمــاه قــوس رامٍ خشـيـبـا

كنت فيهم مخبولا إذا بحت نبسا/// مـا درت نـاس لـخـبـل سبـيـبـا

ــ قصيدة البيت وقصيدة النثر: إن النقاش حول قصيدة النثر وعلاقتها بقصيدة البيت، أو العمود، أو الشطرين، أو حتى شعر التفعيلة الحر؛ هو في الحقيقة نقاش عادي بين شكلين من أشكال الكتابة. وأنا أسطر على كلمة شكل، لأننا في الأول أو الأخير أمام حاويات للكلم لن تضيق عنه أبدا. فالقصيدة الوزنية لها ثوابت؛ أساسها البحر، والتفعيلة. والبحر أساسه موسيقى يحملها لا ينبغي أن يزيغ عنها الناظم، وإلا كان هناك كسرا بالوزن، هو بالأساس انكسار موسيقي.. من هنا لا أتصور البتة أن تكون قصيدة العمود عاجزة عن استيعاب أنماط معينة من الكتابة كما يذهب إلى ذلك البعض..

وقصيدة النثر هي في رأيي قصيدة شعر، لا يمكن أن ننفي عنها صفتها تلك، باعتبار ما تحويه من عناصر الشفافية، والتركيز، والبلورية، والإيقاع الذي يكتب عليه الشاعر، حتى وإن خلت من مقومات البحر أو التفعيلة..

وأنا كتبت الشكلين معا، وأجد نفسي فيهما معاً.. حتى وإن كانت الفترة الحالية هي فترة هيمنة قصيدة الوزن على كل كتاباتي.

ــ رثاء النفس وزمن اللاشعر: الحقيقة دعنا لا نقول إنه رثاء بمعناه التقليدي، لكن هو إحساس بالغرابة في زمن اللاشعر.. أعتقد جازماً أننا نعيش زمن اللاشعر.

ــ الــــحـــــــب: الحب هو الحياة.. هو وازع الاستمرار.. هو رؤية جمال الروح في المعشوق أيّاً يكون..

جنّ ليـل يحمل الأشـواق قــهــــرا /// يا مناي هذا الليل يستفتيك أمــرا

ما جنى صبّ هــوى رمشــا كحيلا /// فاتكا يرخي على عينيك ســتـــرا

والهـوى يـغـري عيـونــاً بالمعـاصــي/// فـي رفيـف صـف إيمـانـاً وكــفــرا

ــ الشعر والفلسفة: أعتقد أن الشعر هو كلام العاطفة غالبا على العقلاني.. والفلسفة حكمة، وتعني غالبا تحكيم العقل.. ليست لازمة أن يكون الشاعر ملمّاً بعلوم الفلسفة.. كما أن الفيلسوف ليس بالضرورة شاعراً.. نعم أوافقك الرأي كل المعارف الإنسانية تعد روافدا لبحر يغرف الشاعر من معينه.. لكن مع القول أنه ليس ملزما بالوصول إلى يقينيات رياضية..

ــ عبد الوهاب البياتي والجواهري: عبد الوهاب البياتي قامة عظيمة من قامات الشعر العربي، قرأت له الكثير وفتنتني أعماله أيما افتتان.. وإلى جانبه نهر العراق الثالت وشاعرها الأميز الجواهري، و قد قرأت له أيضا.. لكنني لا أجزم أن لي تأثر كبير بأحدهما.. ربما كما أسلفت أثرت فيّ كتابات جبران، سيما في بداياتي أكثر من غيره..

ــ نصي الشعري”ثلاثية القمر”: (ثلاثية القمر) نص كتبته في زوجتي.. وهو فعلا نص رومانسي أذكره هنا:

ثلاثية القمر (إهداء خاص لأعز الناس و.ف):

أحلم بأشرعة

تحملني إليك أيها القمر

طال انتظاري

وما انتهى إليك السفر

زادي قليل

ودمعي مثل شلال ينهمر

وقلبي مرجل

ما به بالنار فؤادي ينصهر

إني أحبك قمري..

هل شاع لديك الخبر

إني أسميتك روحي

فهل تقبضها أم تذر

***

حبيبي القمر

توشح بالسواد والشفاه الحمر

واطلع في ليلي بهيا

كريم الفلاة، كنبيّ ينتظر

واسقني من دمع عينيك

إن العاشق بالدمع سكر

حبيبي القمر

كن في صحرائي الظل والمطر

كن في حياتي الأمل

النور وألطاف القدر

كن لي ماضي

حاضري أحلامه والصور

كن بدايتي

كن نهايتي

كن أول السطر وشاهد القبر

إني عشقتك

فهل كان عشقي ذنب لا يغتفر

***

أحلم بالموت

بين عينيك أيها القمر

سئمت عذابي

إني حملت فيك ما لم يحمله بشر

فتعال خذ بيدي

فأنا افتقدت في ليلك البصر

لا تخش قربي

أنا مولى لك

ببنانك مؤتمر

أحبك فاشهد

إني لجفنيك دوما منتصر.

ــ البدايات وديواني الأول والنقد: في الحقيقة البدايات دوماً تشوبها العثرات.. ولو سألت كل الشعراء عن رأيه في أولى أعمالهم لتجد أغلبهم ينفرها، ويخافها، أو يتوجس منها خيفة.. وكما أسلفت لم يكن ببالي يوماً أن أسلك درب الكتابة كمحترف..كنت أكتب إرضاءً لحاجتي في التنفيس على ما يختلج بأعماقي.. بتحريض من بعض الأصدقاء سأقتحم اللقاءات الشعرية وسيصدر لي ديوان.. طبعا لقي من شجعه ورحب به، واعتبره بداية أكثر من جيدة، كما لقي من لم يكن راضياً عليه.. وأعتقد أن هذا أمر طبيعي.. الغير الطبيعي أن تُحارَب لأسباب لا علاقة لها بالعملية الإبداعية أو تصفية حسابات بين أطراف مختلفة..

بالنسبة للنقد حظي الديوان بأكثر من خمس دراسات نقدية لمختصين، منها ما نشر بالصحف المغربية كما هو الحال بالنسبة لدراسة الناقدة الأستاذة نجية جنة، والمعنونة “بالوحدة والعضوية وانسجام الموضوع في ديوان ولادة” نشرت بجريدة المساء العدد 2160 بتاريخ 04/9/2013، والباقي نشر بالعديد من المنتديات الإلكترونية، عموما ردة الفعل كانت إيجابية ومشجعة.

تقول الناقدة الأستاذة نجية عن الديوان: (أثمّن العنوان، وأرى أنه ولادة أسلوب جديد في الكتابة الشعرية المغربية الحديثة، حيث كانت كل قصائده تنتمي إلى الشعر النثري الذي يتميز بوحدة عضوية متماسكة رغم طوله، عكس ما تعودنا عليه في شعر العصر التكنولوجي الذي يتميز ببنية قصيرة متشذرة ومعان مبهمة. رغم ما يتصف به من جرأة وحرية في التعبير).

وتضيف: (قصائد أحمد حيدة تلامس الذات، وتحيلنا على الأسلوب الرومانسي الشفاف، كما تلامس الواقع فينزف قلم الشاعر مع مواضيع عديدة.. وهو يجعل المرأة أيقونته الرئيسية، فمن خلال التغزل بجمالها وبعشقها يمرر أفكاره المبطنة للقارئ.. ونصوصه تخاطب قارئا بسيطا يتذوق الكلمات الباذخة، فيتلذذ بجمالية الأسلوب، ودفق العبارات، والصور والأوصاف، لكن القارئ الذكي سيصاب بدهشة كبيرة وهو يفك شفرات المعاني..)..

وقد أصابت في الذي ذهبت إليه في المقطع الأخير خاصة، فمثلا نصي: “امرأة الغواية” هو للقارئ البسيط، خطاب عاشق تمل لمعشوقة تملى بالتجرد من كل ما يكسوها، والانغماس في عشقه.. وهو في الواقع نص يخاطب الربيع العربي منهل الثورات: (ثوري على ما تبقى من ثوبك.. قطعيه أشلاء.. إن العري في هذا الليل أطهر..).

لكن لو سألتني هل أنا راضٍ عن عملي الأول بنسبة عالية؛ أقول لك ليس بالقدر الذي يرضي طموحاتي، لأنه حتى في اختيار النصوص أسقطت نصوصاً ذات قيمة جمالية أكبر، لتفكيري ساعتها في ديوانٍ ثانٍ..

ــ مقولة:”توجّه الناس للشعر العامي بسبب جمود الشعر الفصيح”: أختلف كليّاً مع هذا القول، ولي وجهة نظر أقل تطرفاً منه؛ فالشعر فصيحاً كان أو عاميّاً هو الشعر.. ليست له كينونة أخرى.. اللغة حاوية الشعر وأداته لإيصال الصور والأحاسيس التي يتدفق بها.. إن كان على العامي أو الزاجل أو الزجل، فسِرُّ اقترابه من المتلقي هو كونه يخاطبه بلغته اليومية.. فشعر العامية يخاطب الكل بنفس لغة عيشهم، في حين فصيح الشعر يخاطب فئة ألمت قواعد الفصحى، وطبعاً الأولى أوسع من الثانية..

ــ الشعر ومواكبته لقضايا الأمة: هل واكب الشعر قضايا الأمة.. أعتقد في رأيي الخاص نعم، ولك في شعر الانتفاضة، وشعر الثورات، وشعر النكسات خير شاهد.. إن الشاعر ابن بيئته، ومن تَمَّ فلغته بالضرورة تكتوي بقضاياها..

ــ الشاعر والجمهور: أعتقد أنه مع التطور التكنولوجي اتسع مجال التقاء الشاعر بجمهور الشعر.. لكن في الوقت ذاته انتشرت عادات خبيثة، قللت من اهتمام الناس بالكتاب أولا، وحتى بمضمون النص الشعري.. فالجمهور أصبح يميل للقصائد الرسائل”message”، أو ما يعبر عنه بنصوص كف اليد، أو النصوص الإلكترونية.. طبعاً هذا فيه تقويض لأُسُس النص الشعري المتوحد العضوية، والمحمل بالعديد من الصور الشعرية.. يُضاف إلى ذلك أنه أصبحت مسألة الجودة محط تساؤل. فنحن أمام قارئ متسرع عاطفي، أكثر منه قارئ واعٍ مُلمّ بخصوصيات النص الشعري، ومقومات الإبداع فيه.

ــ الشعر والمحاماة: المحاماة والشعر لا علاقة بينهما، سوى أنهما قد يجتمعان في ذات الشخص..

ــ أسلوبي في الكتابة: لكل نص ظروف كتابته، ولكل موضوع آليات للاشتغال.. النص الذي أعطيت مثالا: (ثلاثية القمر) هو نص رومانسي موجه لمخاطب محدد، وبالتالي كان لزاماً أن يكون غارقاً في المباشرة.. أسلوبي في الكتابة خاصة في قصيدة النثر؛ يعتمد الكتابة بلغة بسيطة، لكن مع إشباع النص بالصور الشعرية سواءً كان أسلوب الكتابة مباشراً أو غير مباشر، عكس القصيدة العمودية التي أضع فيها أحياناً كلمات غير متداولة لدى العموم، لكون النص فرض أن تكون هي بالذات..

أهديكم نصّاً كتبته على شكل جواب من عربي لأجنبية تسأله عن سيرته، وهو بعنوان: “سيرة عربية”:

سيرتي

يا نبضي الميت..

زيف وتزييف..

منذ ربط

أول أعرابي

عقال راحلته

إلى جدائل

نخلة الزمن

إلى يوم الوقوف الشفيف..

لم يك

عنترة يوماً

ضارباً للسيف

ولم تكن عبلة

على حبه

باقية

زار خيمتها

كل سهّار الليل

والصعاليك

أقزاما

كانوا

يبحثون عن

جذع وريف.

كانت الأندلس

فتحاً

في حضن امرأة

أدمنت كأس الشيطان

صلاتها ذكاة

والدعاء

سجع طاله التحريف.

في إشبيلية

بكى الحمام خيبته

كيف ارتضى

هلاليي التاريخ

صحبته؟

يرحلون لا يودعون

وعلى الخلان

لا يبقون

وإذا أتاهم حديث

الإفرنج

وقد أعدوا لهم ما أعدوا

ركبوا القوارب

هربوا

دونما إحراج

أو تكليف.

يا سيدتي

سيرتي في الخمر

وأثداء النساء

وألوان الشَّعر

وصنوف الشِّعر

ومدح الحاكمين

تصانيف و تصانيف

فهل يلزمك

صعلوك

من زمن الخسارات؟

يضرب لك الأمثال

عن غزوة الأرداف

عن تاريخ قطرة

صهباء..

سالت من شفاه

امرأة الليل؟

كيف ساحت؟

كيف بانت

للأعراب

آية

حق من أجلها الوجيف..

يا سيدتي..

واتخذنا الكتاب مهجورا

ومحونا من الذي فات

سير الراشدين

ويوم البدر

وعبرة يوم السقيف

تعالي إلى مجامعنا

لنا من كل حدب

عراة

لنا من كل

البلاد

صوت العزيف.

فلسطين

تغني أوبتها

في لبنان الجريح

سورية

وطن الهم الكسيح

والعراق

يعض على جريد النخل

ندما

ومصر

آه يا بلدي

ما هذا القدر الكفيف؟؟؟

سجى الليل

وكم ظللنا

ما لنا في هذا الظلام هدى

والضحى على فرسخ

من عيون مجنت

والوطن قطعة شطرنج

يحكمها واهم ينفخ

ريشه

والناس تهلل

“الحصيف الشريف”

والمرسلات

والعاصفات

والناشرات

والفارقات

لو بقينا على

هذا الحال

سيصبح كل الوطن

أندلساً جديداً

ونكون للعِدا

سبايا وعبيداً

وينادَى العربي

بالغلام الوصيف.

فاخلع نعليك

واقذف في الوادي

كأسك الأخيرة

وبصدرك العاري

أوقف العاصفة

علّك توقف

ذاك النزيف..

ستجد في هذا النص شكلاً مختلفاً عمّا وجدته في ثلاثية القمر، لاختلاف القضية وآليات معالجتها.. وقد سبق أن نال عدة تتويجات في منتديات إلكترونية، أتمنى أن ينال رضاكم..

ــ طمــوحــاتـــي: المحامي يتمنى أن يمر ما تبقى من العمر المهني بسلام، وبما يرضي الله ويرضيه.. والشاعر أحلامه لا تنتهي، ربما يحلم أن يكتب شعراً لكل المعمورة..

ــ هواياتي الأخرى:  لي هوايات أخرى؛ أحب كرة القدم كرياضة، و أحب السينما والمسرح..

د. فاطمة الديبي / ذ. نصر سيوب
د. فاطمة الديبي / ذ. نصر سيوب

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here