التجربة الشعرية للأستاذ “زيد الطهراوي”
بين هتاف المواضي ونقرات الرواقي.
*****
حينما يتألق الشعر بكل مضامينه في بلاد الأردن الشقيق، يخرج من بين الأسطر همس رقيق بملامح الوقار والمحافظة، همس يذيب طيف القارئ، بل ويذهب به نحو كل أفق جديد، فيصطدم تارة بقضايا المجتمع، وتارة بهمومه، وتارة أخرى بتاريخه ومستقبله. فإذا كانت الأقلام المعاصرة تنزاح نحو الاشتغال على الأجناس النثرية أكثر منها الشعرية، فإن أستاذنا فضل المحافظة على الأصول والتشبث بها كتشبث البدوي بجمله، والحضري بسيارته. بل وسار على هذا المنوال في سبك جل معالم دواوينه، والتي فاقت الثلاث دواوين، كتب للبعض منها النشر، ومايزال البعض الآخر ينتظر دوره.
فإذا كان شاعرنا الأردني “زيد الطهراوي” يشارك أبناء جيله ومعاصريه، هم الشاعر ورغبته في إيصال القضايا وفق منظور يعبر عن حاجيات المجتمع، ومكامن الخلل، وطموح التطوير والانتقال، فإن بوصلته في هذا الإطار خطفت الاهتمام الداخلي، ووزعته على كل نبض مجروح من البلاد العربية، فصار الشاعر بقلب وطن، والهمس بمسافة أثر.
وبعث القضايا العربية بهمس شعري في وقت قل فيه الاهتمام بالشعر وقضاياه، محاولة جريئة من طرف الشاعر لإحياء نبض في طريقه إلى الإهمال إن لم نتدارك مكامنه، أمر يستحق منا أن نقف على تجربته الشعرية التي وسمت حياته، والظروف التي أثثت لتناوله هذه المضامين الشعرية، وكذا سر هذا الإعجاب والاستماتة في تسخير الوقت والجهد من أجل إحياء هذا العبق.
حول تجربة الشاعر الأردني الرائد في مجاله، ومن منطلق رصد واقع الشعر الأردني بالخصوص والعربي بالعموم، وأفقه المستقبلي والمعاصر، حاورت الأستاذ الشاعر “زيد الطهراوي” فكان على الشكل التالي:
– لكل تألق مرجعیة بدایة، فكیف كانت مسیرة شاعرنا “زید الطهراوي”؟
– كانت بدايتي مع الشعر في الثالثة عشرة من عمري، وقد وجدت تشجيعا من والدي رحمه الله الذي كان يتذوق الشعر العربي الفصيح، وبقي الإلحاح الشعري يعاودني إلى أن أصدرت كتيبات صغيرة هي: “جذوة من نور وشذى المحبة وسماد الحصاد”، وقصائد أخرى جمعتها في ديواني الشعري الأول “هتاف أنفاس” الذي صدر عام 2013م، ثم أصدرت ديوان “سكوت” عام 2016م، وأنتظر صدور ديوان “سنديانة الأشواق”.
– كيف نما في فؤادك الاهتمام بالشعر وقضاياه، وما هي أهم القضايا التي شغلت بالك في البداية كشاعر حديث العهد؟
– كانت مكتبة والدي رحمه الله مليئة بكتب الشعر والأدب، وكنت مغرما بالمطالعة، وكنت أرى تأثير ذلك في تحسن أسلوبي في الإنشاء، وكانت محبة ديننا العظيم وقيمه هي ما يشغل بالي في بدايتي وهذا يظهر واضحا في الديوان الأول “هتاف أنفاس”.
– الكتابة تعبیر عن نقص في إیصال المضامین للكون، والشعر وعاء یحتوي كل ھذا النقص، والذات فیه تكون أریح وأسلم، فكیف وجدت ذاتك داخل ھذه العوالم؟
– حين كتبت قصائد هتاف أنفاس كنت أجد نفسي أجنح في سماوات أعرفها بكل تفاصيلها لأن وجهتي كانت واضحة، وكنت أعرف عملي جيدا في الفن والفكر، فكتبت عن غربة الدين، وعن أخ لي في الله في فلسطين، وعن قيمة الكلمة وقيمة قائلها حين تكون موجهة نحو الإصلاح، حتى عندما تكلمت عن مأساة إخواننا في غزة وأراكان (بورما) كنت متفائلا معتبرا أننا الأقوى على الرغم من كل المحن.
أما في ديوان سكوت، فقد كانت أحداث سوريا الدامية تملأ الأنظار والأسماع (فتماسكت وقد زعزعني المصاب)، ولكن السكوت العالمي كان صادما، فكانت قصائد الديوان تسلط الأضواء على مصاب هذا الشعب الأعزل، وكنت أشعر أنني لن أصوغ أفضل من قصائد تجسد المأساة أمام عالم السكوت.
– أتحفت الساحة الأردنیة بالخصوص، والعربیة بالعموم بإصدار دیوانك الجدید المعنون بـ “هتاف أنفاس”، فهل هذا الإصدار تشخیص للواقع وتعبیر عن الكوامن، أم هو إعادة اعتبار وضخ جدید في دماء الأدب وقضایاه؟
– كما ذكرت لك، هتاف أنفاس هو الديوان الأول، وجاء بعده سكوت، ولكنه صدر ورقيا وأعدت نشره إلكترونيا للمساحة الواسعة التي يتمتع بها الكتاب الإلكتروني، أما عن كونه تشخيصا للواقع فأنا لم أقصد كشاعر أن أبحث عن كل ما يحدث، فطبيعة الشعر المنتمية إلى الإيحاء تتصادم مع البحث عن المشكلات ووضع الحلول لها، لكنه ربما يكون إلى حد ما ضخا جديدا في دماء الأدب وقضایاه بسبب تنوع مواضيع القصائد الناتج عن المدة الطويلة التي احتاجها هذا الديوان ليكتمل.
– ماذا تعني لك الكلمات التالية أستاذ: الحب؛ السلام؛ التعایش؛ المقاومة؛ العروبة؟
الحب: هو الذي تحيا لأجله الشموع وتتسامق في رباه الأشجار والأماني؛
السلام: هو الطائر الأبيض الذي تتطلع إليه الأنظار من أجل ميلاد لا تعكره ظلمات البغي والأنانية؛
التعايش: هو أن أكون سليم الصدر متواضعا أنثر التسامح والأمان؛
المقاومة: لا خير فيها (بالمفهوم العام) إلا إذا بدأت بالشخص نفسه فقاوم ما فيه من ظلام؛
العروبة: لا أخجل منها ففيها صفات الكرم والشهامة والنجدة، ولكنني لا أعول عليها إلا إذا أشرق عليها نور الإسلام.
– كلمة أخیرة للأستاذ “زید الطهراوي”:
– أتمنى ونحن في العام الجديد أن نجهض كل ما يؤثر على الصفاء، وأن نسهم في المحبة التي تروي ظمأ النفوس، وأن نتسابق في مضمار الإيثار والتسامح لبناء عالم أجمل.