بيان المركز العالمي للدراسات العربية بباريس، والمقهى الأدبي ببروكسل حول اللقاء الثقافي الأخير : بروكسل، يوم السبت 28 أكتوبر 2017م:
في دورته الثلاثين، احتضن المقهى الأدبي ببروكسل، برئاسة الشاعر أحمد حضراوي، والمركز العالمي للدراسات العربية والبحوث التاريخية والفلسفية بباريس، برئاسة السيد يحيى الشيخ، لقاءً ثقافيا بالمركز الفلمنكي دوكريكولار، يوم السبت 28 أكتوبر 2017م. وقد حضره فنانون ومبدعون وسياسيون من جنسيات أجنبية وعربية مختلفة، من بلجيكا والمغرب والجزائر وسوريا والعراق وغيرها، نسق له السيد مصطفى زباري والسيدة حبيبة مسلك والإعلامي السوري خليل صابر. وقد تضمن اللقاء محاضرة للسيد يحيى الشيخ وأمسية فنية وشعرية شارك فيها اثنا عشر شاعرا .
افتتِح اللقاء بكلمة ترحيب للسيد أحمد حضراوي، تَلتْها قراءة الفاتحة ووقوف الحاضرين دقيقة صمت ترحّما على روح الفقيدة زهرة زيراوي، بعدها ألقى السيد يحيى الشيخ ــ رئيس المركز أعلاه ــ محاضرة تحت عنوان : «واقع الثقافة وثقافة الواقع : مقاربة تاريخية نقدية للإبداع العربي المهاجر بأوربا الغربية». تطرّق السيد المُحاضر للحضور الثقافي العربي بأوربا، منذ سقوط غرناطة سنة 1492م إلى اليوم، مُنوها بجهود مفكّري النهضة وأدباء وسياسيّي المهجر لضمان استمرارية الوجود العربي بأوربا وتثبيت كيانه في فترات ما بعد الحربين، وما تلتها من هجرات متلاحقة، كان آخرها الكم الهائل للمفكرين والمبدعين العرب من سوريا والعراق. كما ركز على الوجود العربي ابتداءً من الثمانينات مشيرا إلى التحديات التي واجهها المهاجرون للحفاظ على هويتهم العربية، بعد الضجة التي أحدثها كتاب «آيات شيطانية» لسلمان رشدي ومسألة الحجاب بفرنسا (كريل، 1989م)، وما نتج عنهما من ردود فعل سياسية عنيفة كمحاولة لتطويق غضب المسلمين والمهاجرين العرب، بل وما صاحب كل هذا من قوانين مجحفة في حقّ المهاجرين بصفة عامة، أسفرت عن أكوام من التنظيرات بشأن مواضيع الإدماج والعلمانية وحرية التعبير. تحت هذا الغطاء، اتجه الإعلام الأوروبي بكل ثقله إلى العرب والمسلمين ــ كما هو الحال في فترة الانتخابات ــ، مما جعل هؤلاء يَعُون وضعيتهم ويكثرون من المبادرات التي تؤكد هويتهم : إنشاء المساجد والمدارس والمعاهد العليا لتعليم اللغة العربية وتأسيس دور نشر متخصصة، وإن كانت في بداياتها ذات أهداف دينية بحتة. أما الحكومات الأوروبية بشتى مؤسساتها، وكذا فئات عريضة من المجتمع المدني، فقد واكبت هذه الصحوة حيث لجأت كثير من المدارس الأهلية إلى فتح أقسام عديدة لتعليم اللغة العربية. كما بدأت دور النشر الأوربية الكبيرة تنشر كتبا وترجمات مفيدة إلى لغاتها للتعريف بالثقافة العربية. أما المثقفون العرب المهاجرون، فتشكّلوا ــ مع مرور السنين ــ مجموعات منسجمة، وكونوا أندية ومقاهي ثقافية متميزة بدأت تبتعد يوما بعد يوم عن السفارات والقنصليات والمراكز الثقافية الحكومية التي كانت تسيطر على تفكير الوداديات وتجعل من أنشطتها أبواقا للحكومات المتعاقبة، كما كان شأن كثير من الجمعيات الأولى المنحدرة من شمال إفريقيا، خاصة من المغرب وتونس والجزائر.
لاحظ السيد المحاضر ــ خلال حديثه ــ أن الوجود العربي في أوروبا الغربية شكّل قفزة نوعية في علاقة المهاجر بالبلد الأم وبالبلد المضيف وبالثقافة. لقد أصبح المهاجر العربي واعيا بوضعيته، فاختار طريق الاندماج في المجتمع الجديد، مع الارتباط المتواصل بالوطن الأم. كل هذا جعله يعمل جاهدا للمساهمة في تطوير بلده الأصلي، بل والتفاعل بشدة مع القضايا العربية الكبرى وتسخير طاقاته الإبداعية والفكرية لتحقيق هذين الهدفين : هذا هو واقع الثقافة العربية في أرض المهجر بكل اختصار ! لكن لا يمكن لهذه الثقافة أن تكون فاعلة هنا وهناك، أي أن تصبح ثقافة الواقع إلا إذا انطلقت من مرجعيات الثقافة الأم بمفهومها العام (اللغة، الدين، العادات…)، وتلاقحت مع ثقافة البلد المضيف وتفاعلت معها لتنتج فكرا وإبداعا واعيَين لخلق تراكمات نوعية قصد تأسيس إبداع عربي مهجري وازن ومستقل. أكيد، لن يكون إبداع العربي المهاجر اليوم شبيها بحركة أدباء المهجر الأوائل، كجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأضرابهما، نظرا لاختلاف الظروف، ولكنه سيكون لا محالة لسان العربي المهاجر المعبّر عن كيانه وتطلعاته في صيغة إبداعية وفكرية رفيعة.
بعد المحاضرة، تم فتح نقاش واسع مع الجمهور لمدة ساعة، تخللته معزوفات على آلة العود للأستاذ السوري وليد حوران وأغانٍ لسميرة غرابي والسيدة أمل الحموشي، واختتم بقراءات للشعراء : أحمد حضراوي ويحيى الشيخ وحبيبة لمسلك ولويسي مصطفى وحنان الفروم والمغربية سمية ويوسف الهواري وبخات إيمان وغيرهم. ونشير إلى أنه كان من بين الحاضرين حامد دليمي مسؤول العلاقات الخارجية في المركز العربي، والفاعل الجمعوي.
في نهاية الأمسية، تمت المصادقة على عقد شراكة دائمة بين المقهى الأدبي ببروكسيل والمركز العالمي للدراسات العربية والبحوث التاريخية والفلسفية بباريس، لما تَجْمعُهما من روابط وهموم إبداعية مشتركة، رغبة منهما في إرساء قواعد دائمة لتفعيل العمل الجمعوي والثقافي الهادف في كلا البلدين، كخطوة أولى لتوحيد الطاقات الإبداعية العربية في كافة الدول الأوربية الغربية، كهولاندا التي ستُعقد معها شراكة جديدة مثمرة في الأيام المقبلة، مُمثَّلة في الشاعر المغربي يوسف الهواري.
خلال هذا اللقاء، تم عرض لوحات الفنان التشكيلي المغربي عبد القادر مسكار الذي تمّ تكريمه مؤخرا في المركز العالمي للدراسات العربية والبحوث التاريخية والفلسفية بباريس، بعد مشاركته في صالون الخريف ــ باريس 2017م، إلى جانب الفنانتين المغربيتين ماريا قرمادي وإلهام العراقي.
الموقعون :
يحيى الشيخ عن المركز العالمي للدراسات العربية والبحوث التاريخية والفلسفية بباريس، وأحمد حضراوي عن المقهى الأدبي ببروكسل.