المقهى الأدبي ببروكسل ولوبيات التسلق والتحالف والانشقاق – أحمد حضراوي

0
1045

المقهى الأدبي ببروكسل ولوبيات التسلق والتحالف والانشقاق، والشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق:

من منا لا يحب أن يرى شعراء وكتاب وأدباء ومثقفي المهجر وقد جلسوا مجلسا واحدا نزع ما في قلوبهم من غل نحو بعضهم البعض وتوافقوا على أرضية واحدة وتآزروا في مشروع واحد، غير أن اللعب على حبل البروز بمظهر الشخص أو الكيان الذي يسعى أو يعمل على توحيد شتات المثقفين العرب بأوروبا والمهجر عموما، لكن مع عرقلته ضمنيا لأنه قد لا يكون لمن يظهر كساع لذلك مكان حين يتولد هذا الكيان الذي يوحد المشهد سواء لنياته المبيتة من هذا الفعل والذي غالبا ما يكون لأهداف لا علاقة لها لا بالثقافة ولا بالتوحيد والتكتيل، بقدر ما تكون لها أهداف أخرى إما مادية كتحصيل دعم مادي من جهة داعمة ما، أو معنوية تتلخص في حب الظهور بمظهر “المخلص المثقف” الذي شق بعصاه حجر القلوب المغلقة فانبثقت منها مؤسسة ثقافية واحدة، ترتبط باسمه ويخلد كمثقف مهجري تنحني له الأقلام وتمجده، وتفتح له حسابات الاسترزاق بحبر أهل الإبداع الحقيقيين.
كان اهتمام الجالية المغربية الأول بداية سنوات هجرتها هو إيجاد سبيل لعيش كريم باعتبار أن معظم شريحة المهاجرين من هذه الجنسية كانت من المهاجرين مع تواضع البعثات العلمية والطلابية حينها أو انعدامها، لكن بعد أجيال من الهجرة أو الولادة على أرض بلجيكا برزت فئات أو نخب ثقافية أو إبداعية حاولت بشكل أو بآخر أن تقدم هويتها الإبداعية للآخر وإن كانت الترجمة عائقا إليه. غير أن تشبثها بلغتها لم يبخسها حقها في “مقاومة” البيئة غير المنسجمة مع لغتها التعبيرية في خلق متسع داخل المجتمع البلجيكي يمكنها من إيجاد موطئ قدم في المنظومة الأدبية والإبداعية بصفة عامة.
كان المقهى الأدبي ببروكسل (وهو كيان اتفاقي بين مجموعة من كتاب وشعراء ومبدعي وفاني بلجيكا)، قد بدأ يتبلور منذ أواخر 2017 وكان لكثير من الأسماء فضل المساهمة في إطلاقه، ظهر أولا سنة 2011 باسم صالون بروكسل الثقافي، ثم فشل في الاستمرار لأسباب – أفضل أن يجيب عنها من لم ترتح نفوسهم حتى أجهضوه – ثم انطلق سنة 2012 تحت اسم الرابطة العربية للإبداع ببلجيكا، فانهال عليه أشباه المثقفين والشعراء حتى توقف، توجهت بعد 2013 إلى المغرب ومصر ولبنان والإمارات واستفدت من تجارب المقاهي الأدبية هناك لأعود سنة 2014 إلى بروكسل لأطلق من جديد وبعد جهد جهيد من إطلاق دورته الأولى في الشهر السادس من تلك السنة، ويبقى التجربة التي كتب لها ألا تتوقف حتى يومنا هذا بفضل الله ثم فضل النخبة المثقفة والمبدعة القائمة عليه، حتى أن دوراته الشهرية لحد الآن قد تجاوزت الثلاثين (30)، بالإضافة إلى ملتقيين أوروبين شهد الخصم قبل الصديق بأنهما كانا قفزة نوعية للمشهد الإبداعي والثقافي ليس فقط ببلجيكا بل وأوروبا قاطبة.
استمر المقهى الأدبي ينسج حبال التواصل مع مبدعي أوروبا لا يميز بين مغربي وجزائري ولا بين مصري وسوداني ولا بين شامي وعراقي، وكان لبرنامج الديوان الذي أطلقه رئيسه على منبر قناة مغرب تيفي المغربية البلجيكية التي أثبتت مرة أخرى رؤيتها الثقافية الواعية بالمهجر، دفعة أخرى ليس فقط لرواد المقهى الأدبي فقط بل لكل المبدعين المغاربة والمغاربيين والعرب في أوروبا وخارج أوروبا وما زال، وتراكمت تجربته واتسعت آفاق ومشارب رواده، فأصبحت دوراته ملتقى لكل شاعر وفنان وكاتب من بلدان أوروبية شتى بل وبلدان عربية من المغرب إلى لبنان. وكان المقهى الأدبي ببروكسل يحمل هويته في اسمه فهو ليس مقتصرا على جنس إبداعي واحد وليس مقتصرا على جنسية واحدة، فقد رفضنا منذ البداية أن يكون كما شاء آخرون لكياناتهم أسماء كبيت التونسي مثلا أو العراقي أو السوري أو ما شابه.
خط المقهى الأدبي لنفسه خط الباب المفتوح أم الجميع، ومد يده لجميع الأشقاء المغاربة والمغاربيين والعرب وما زال، غير أن الساحة الثقافية البلجيكية اختلط فيها الحابل بالنابل، وطرأت عليها كيانات تحمل أسماء ثقافية غير أنها في الواقع شركات أسهم ومحاصصة طائفية، وطحالب عنوانها الإبداع وحشوها الإيقاع بين المثقفين بالنميمة وبث الفرقة في شكل صبياني أثبت مرة أخرى أن كثيرين ممن يحسبون على الأدب ناس لا علاقة لهم بالأدب بل أكثر تحديدا بقلة الأدب، وأصبحنا في المقهى الأدبي نتلقى الضربة إثر الضربة من قوم كنا بالأمس القريب سببا في تقديمهم للساحة الأدبية وسببا في جلبهم من بلدان عدة وتقديمه لجمهورنا فكان ممن قيل فيه وإن أنت أكرمت اللئيم، وسامحنا وتجاوزنا وصبرنا وهذا قدر المثقف العربي بين إخوته، نؤمن بخيره وشره ولا نرد الصاع صاعين ولا نصف صاع، بل نقول كلمتنا ولا نمشي، بل نقف عليها ونلزم أنفسنا أولا بها قبل أن نلزم غيرنا باحترامها.
تلقيت مبادرة مؤخرا من صديق عراقي هنا ببروكسل أعجبتني، ألا وهي إعادة رص لحمة الكيانات الثقافية ببروكسل وبلجيكا فقبلت دون شروط أو تسطير بنوط، كانت المبادرة بسيطة في حد ذاتها ومعقولة، وهي فتح باب التشاركية لكل من أراد الانتماء إليها، فكان اجتماع حضرته أربع كيانات تحمل أسماء رنانة طنانة، صالون كذا، مركز كذا، منظمة كذا، إلى جانب المقهى الأدبي ببروكسل، ورغم تحفظي السابق على الجلوس مع بعض الأطراف الفاعلة (بين قوسين) في المجال الأدبي لكنها فعلا حاصلة على جائزة نوبل في قلة الأدب، إلا أني حاولت أن أكون أكثرهم قبولا لأي طرح يطرحونه وألا أكون أبدا حجر عثرة أمام المشروع الوحدوي فتم إعلانه تحت مسمى اتفقنا عليه. كان لدي رجاء واحد ولم يكن شرطا، وهو أن ننظم أمسية أو نشاطا نعلن فيه هذه الشراكة في فعل أو إنجاز ثقافي مشترك وأن يساهم كل كيان بثلاث شعراء فقط يمثلون كيانه، انسحب قبل بداية اللقاء أحدهم كعادته منذ سنين لأن لديه تصوره الخاص الرافض لكل شاعر فوق الأرض سوى ذاته، وأبت (منظمات ومنتديات) معظمها كيانات فيسبوكية المشاركة في مبادرتنا، واتفقنا نحن الأربعة على زمان ومكان وبرنامج محدد وعدد محدد من المشاركين على أساس أنها فعلا تمثل الكيان الذي تمثله فعلا.
مشكلة إخوتنا الذين نزلوا فجأة بـ “حطة بروكسل”، هو أن نيتهم المبيتة كانت هي إظهار أن المقهى الأدبي ببروكسل والذي إن تحدثنا من زاوية التواجد على الأرض غني عن هؤلاء لأنه لا يعقل أن “يتشارك” مع من لا يمكن أن يكون قيمة مضافة إليه، هو أن نيتهم كان إظهاره أنه العقبة أمام توحيد الجهود العربية ببلجيكا، وهو إنما ترجاهم أن يبرزوا من كل كيان 3 شعراء ومبدعين في أمسيتهم الافتتاحية. عجز كيان عن إيجاد حتى شاعر واحد يمثله وهو الكيان الذي قبل عامين طرح نفسه بديلا للمقهى الأدبي وتصحيحا لمساره فانشق لكيانين كل كيان يحمل اسما رنانا طنان لكنه لا يضم في لائحته غير الشاعر أو الشاعرة التي تقوم عليه، اعتذر المقهى الأدبي عن الاستمرار في الشراكة لأن من ترجاه سابقا في التوحد معه أخل بشرط بسيط لإتمام الشراكة ألا وهو المشاركة الفعلية بشعراء ينتمون إلى ذلك الكيان المزعوم، غير أن ما دبر بليل هو التشويش على مسار المقهى الأدبي واتهامه بعرقلة الوحدة الأدبية العربية، يا للهول.
أود فقط التنويه إلى شيء مهم، هو أن العين لا تعلو على الحاجب وأننا في المقهى الأدبي ببروكسل ساعون وبشكل جدي إلى توحيد المشهد الثقافي العربي ليس فقط ببلجيكا بل وأوروبا والعالم، ومن تم كان الإعلان عن شراكتنا مع المركز العالمي بباريس الذي يرأسه الشاعر الدكتور يحيى الشيخ، وأقول الإعلان عن الشراكة وليس إنجازها، والمتتبع لإنجازات المقهى الأدبي يدرك جيدا أن الملتقى الأوروبي الثاني للإبداع والفنون كان إنجازا مشتركا للمقهى الأدبي والمركز العالمي، كما أننا بصدد الإعلان عن شراكة على المستوى الأوروبي أيضا، هولاندا من جهة وألمانيا من جهة أخرى إلى جانب دول أخرى سنعلن عنها حين تستوفي شروط الشراكة.
ختاما أدعو من هذا المنبر السلطات المهتمة بالشأن الثقافي سواء في بلدان أصحاب “الدكاكين الثقافية الوهمية” المسماة مفوضية ومنظمة ومنتدى وأسماء أخرى شبيهة ما أنزل الله بها من سلطان إبداع، أو في بلدان إقامتهم الأوروبية أن تدقق النظر وتطلق جيوش محاسبيها الماليين لتتبع المنح المالية الضخمة التي يتلاقاها هؤلاء المرتزقة، وتتابع البنايات المسمات “مراكز ثقافية” وتجس نوع الأنشطة المسماة ثقافية التي تستنزف ميزانية الدولة التي خصصت لهدف أسمى فهدرت في أنشطة لا تمت لا من قريب ولا بعيد للثقافة، وللحديث بقية.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here