رغم غياب اي إختلاف من الناحية الوجودية بين الرجل والمرأة، شاءت التطورات التاريخية ان يتم تهميش دورها والانتقاص من قيمتها على المستوى العالمي. عربيا ومع بداية نهاية العصر الذهبي العباسي وبروز شخصيات كأبي حامد الغزالي الذي قزم مكانة المرأة داخل المجتمع في كتابه ‘إحياء علوم الدين’، أصبحت المرأة كائنا محدود القدرات والوظائف.
ومنذ تلك الحقبة, لم يحقق مواطنو أية دولة العدالة الجنسية وتواجه الفتيات والنساء موجات من العنف على الصعيد العالمي.
لمدة 25 سنة الأخيرة تعاني المرأة بالخصوص من الشغل المنزلي بنسبة جد خطيرة رغم إعلان بكين وما تبعه من حث للمنتظم الدولي لجميع الأطراف من أجل تعزيز دور المرأة. والنساء كانوا الجنس الأكثر تضررا خلال كل هاته السنوات من عدم إلتحاقهم بمناصب الشغل المفتوحة أمام الرجال.
خلال السنوات الاخيرة ومع ظهور جائحة كورونا، تمت تعرية حقيقة الهشاشة الفئوية المترسخة دوليا. عرفت فترة الجائحة الأخيرة ارتفاعا في عدد ساعات العمل المنزلي غير مدفوع الأجر وكانت للنساء حصة الأسد (أو اللبؤة).
حيث أن النساء يقمن برعاية الأطفال والقيام بمختلف الأعمال المنزلية 7 مرات أكثر من الرجال. خصوصا بشمال وغرب آسيا (دول مصنفة في طور النمو). هذا الواقع، يمنع النساء من الالتحاق بسوق الشغل حيث أن أقل من نصف النساء فقط يزاولن عملا مقابل أجرة مقابل أغلبية الرجال.
معركة المرأة العاملة إذن هي معركة أممية وجب خوضها أمميا لا محليا.
النساء على المستوى العالمي يشكلن 70٪ من القوة العاملة في المجال الصحي نظرا لأهمية الحضور النسوي التمريضي. جعل هذا الواقع أيضا النساء في مقدمة ضحايا الإصابة بفيروس كورونا المستجد خلال ذروة الجائحة.
عملت الجائحة أيضا على عزل النساء في أماكن عمل أو أماكن عيش مع زملاء أو أفراد أسرة مارسوا ويمارسون العنف الجسدي عليهن.
حيث أنه وعلى الأقل، ثلث نساء العالم تعرضن لعنف جسدي أغلبه بالمنزل أو بمقر العمل. وكل يوم 137 امرأة تتعرض للقتل بالعالم.
أما في الولايات المتحدة ومنذ سنة 1920، عرفت المرأة العاملة تغيرا ملحوظا في محيط عملها. بعدما كانت أغلب النسوة تشتغل كخادمات وكاتبات، أصبحت مهن التدريس والتمريض المشغل الأكبر للمرأة العاملة الأمريكية.
فوضعية المرأة العاملة بالمجتمع، تشكل معيارا وفيا للتغيرات الاقتصادية التي عرفتها دول الثورة الصناعية على مدار القرن الماضي. فرغم مرور أزيد من قرن على التعديل التاسع عشر للدستور الأمريكي ومنح المرأة حق التصويت، فلا تزال عدة مهن تحارب المرأة بمحاولة منعها من إيجاد الصيغة الملائمة التي تمكنها من الموازنة بعد العمل والأسرة. هذا الإقصاء سيدفع لا محالة إلى إبطاء عجلة الإنتاج والتنمية بشقيها الرأسمالي والإنساني، سواء بالولايات المتحدة الأمريكية أم بباقي دول المعمور.
تواجه في المغرب المرأة العاملة ثالوث التضييق القانون والأعراف المجتمعية لكي لا أقول الدينية أكثر من ثلاثة أرباع النساء المغربيات بين 15 و 65 سنة لا تعمل و لا تبحث عن عمل.
وبينما تزداد معدلات البطالة المغربية لدى الرجال نتيجة ارتفاع التحاقهم بالتعليم، تعاني المرأة من انعدام التشغيل بين جميع الأعمار رغم ارتفاع نسبة التمدرس لديها.
من أوجه التضييق، إجبار المرأة على البقاء خارج قوة العمل كلما حصل رب الأسرة على عمل أو على تعليم أفضل مما يعتبر انتقاصا فاضحا من قيمة المرأة العاملة ومساهماتها في بناء نفسها وتكوين قدوة أسرية لبناتها وأبنائها وقدوة مجتمعية وقابليتها لتحسين القدرة الإنتاجية للدولة ودعم النمو. حيث أن الزواج ووجود نساء أخريات عاطلات عن العمل داخل العائلة الواحدة يزيد من احتمال البطالة داخل الأوساط القروية والحضرية معا.
قانونيا، عدد كبير من العاملات في القطاعات غير المقننة يشتغلن دون عقد مكتوب ويتم حرمانهن من مؤازرة فصول مدونة الشغل لهن. ورغم أن المادة 9 من مدونة الشغل تنص على منع التمييز من حيث الجنس داخل سوق الشغل فإن نفس المدونة لا تشير إلى أية كيفية لإثبات هذا التمييز تاركة وراءها جحافل النساء العاملات قربانا للرأس المال الجشع. على النقيض من ذلك، قام المشرع الفرنسي من خلال الفصل 1132 بإلزام المشغل بإثبات غياب أية أرضية للتمييز الجنسي عند إصداره لقرارت تخص العاملات.
مغربيا، يتلاعب الرأس مال بشكل دائم بمقتضيات مدونة الشغل الصادرة في 11 شتنبر 2003 خصوصا المادتين 159 و160 اللتين يعتبران باطلا كل قرار يتخذه المشغل لإنهاء عقد شغل الأجيرة بسبب حملها و/أو أثناء إجازة الأمومة.
نفس المعيقات، تجدها تتجسد في أبهى تجلياتها أمام المرأة العاملة النقابية، وقد لخصت فاطمة الأشقر عضوة المجلس الوطني للفدرالية الديمقراطية للشغل خلال ندوة بالرباط العراقيل التي ناقشتها في هذه المقالة قائلة: العراقيل هي ” المرأة نفسها التي لا تثق في أغلب الأحيان في قدراتها وكفاءاتها التي قد تكون أكثر جودة وفعالية من الرجل مرورا بعقدة الرجل الذي لا يستسيغ فكرة منافسة المرأة له على مراكز القرار، مرورا بالمجتمع الذي يثقل كاهل المرأة بمهام تفوق طاقتها الاستيعابية الفكرية والجسدية”.