في عددها لـ15يناير 2020،خصصت جريدة “الصباح” المغربية، صفحة خاصة مع عدة صور مصاحبة، لتصريحات لعبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج تحت عنوان: “الحكومة تتجاهل مجلس الجالية“. الصفحة ليست كلها حوارا بمعناه المهني، ولا مقالاولا تصريحا مطولا موقعا من لدن الأمين العام لمجلس الجالية، ولكن مادة مخضرمة من الناحية المنهجية والشكلية، يصعب في الجزء الثاني منها التمييز بين “الأجوبة” و“الأسئلة” إن كانت هناك أسئلة فعلا، أم فقط تصريحات جزئية متتالية وقع دمجها في النشر.
والغريب في الأمر كذلك، أن أجوبة الأمين العام في صفحة “الصباح” تشبه تماما الأجوبة الموجودة في موقع “العمق المغربي” والتي علقنا عليها سابقا، وكأن الصحفيين الذين ينتمون إلى منبرين مختلفين كانت لهما، إن لم نقل “أوحيت” إليهما نفس الأسئلة!!!
للإدلاء بملاحطاتنا، سننطلق من بعض العناوين الفرعية لهذا الحوار/ التصريح/ الأجوبة: لا سياسة حكومية لقطاع الجالية، لم يطلب مني أحد الحضور إلى البرلمان، بن كيران تجاهل اقتراحاتنا، نساء الفراولة يعاملن بشكل مهين، غضبة الملك حركت القناصلة، مقترحات حول المشاركة السياسية.
1) لا سياسة حكومية لقطاع الجالية:
عن سؤال عام جدا حول: “ما تعليقك على الانتقادات التي هاجمت (انتبهوا إلى مفردة الهجوم) مجلس الجالية“، دون الدخول في التفاصيل الضرورية نظرا للاختلالاتالتي تعتري المجلس، وتنوع المشا كل القانونية والمالية والهيكلية الشاذة التي تربك السير العادي للمجلس وعدم مردوديته والقيام بواجباته. أجاب الكاتب العام متوجها لمنتقدي سياسة مسؤولي المجلس (الرئيس والكاتب العام)،لأن هذه الانتقادات غير مقبولة: «يحملوننا المسؤولية في ما لا يعود لنا»،لأن مجلس الجالية ليس بمؤسسة تنفيدية بل “جهاز استشاري ويكتفي بإرسال رسائل ومذكرات إلى من يهمه الأمر وينجز الدراسات“.
نحن نعلم أن المجلس ليس له مهام تنفيدية، لكن لا يقوم بواجباته المنصوص عليها في الظهير رقم 1.07.208 الصادر في 21 دجنبر 2007 بإحداث مجلس الجالية المغربية بالخارج، ألا وهي أولا المهمة الاستشارية وثانيا المهمة الإستشرافية. المهمة الأولى منصوص عليها في المادة 02من الظهير، والمهمة الثانية هي رصد التطورات المتوقعة في مجال الهجرة على المستويات السياسية والثقافية والعلمية، وذلك حسب المادة 04من الظهير، بإعداد تقرير تام كل سنتين يحلل فيه اتجاهات الهجرة المغربية وإشكالياتها الخاصة. لكن لحد الساعة، لم يقدم المجلس أي رأي استشاري ولا أي تقرير استراتيجي.
إذا لا يمكن بتاتا قبول عذر الأمين العام القائل: “يحملوننا المسؤولية فيما لا يعود لنا“.
خلاصة القول في هذا الميدان، لا يمكن اعتبار المجلس إلا: “جهازا استشاريا يكتفي بإرسال الرسائل والمذكرات إلى من يهمه الأمر وينجزالدراسات“. كما يقول الدكتور يحيى اليحياوي في مقال نشر في موقع “الديوان“: “هذا اسمه ضحك على الذقون..”،واعتبار مجلس الجالية كـ“مؤسسة دستورية بمقام ساعي البريد“!!!
زد على هذا أن المجلس يجب عليه عقد جمع عام سنوي في شهر نونبر وإنجاز أيضا، حسب المادة 04من الظهير، تقارير خاصة حول القضايا التي يعالجها خلال جلساته العامة أو القضايا التي تعرض عليه من لدن
الملك، لكن لم تلتئم الجمعية العامة للمجلس إلا مرة واحدة، في بداية يونيو 2008.
2) لم يطلب مني أحد الحضور إلي البرلمان
يصرح الكاتب العام بداية على أنه يتحدي أي أحد أن يثبت أن مجلس الجالية تلقىاستدعاء وتهرب من الحضور خلال 12 سنة، واسترسل قائلا: “وعبر عن استعداده للحضور في أي لجنة أو جلسة عامة، وتقديم عرض حول مجلس الجالية، وحصيلة العمل، والتقرير المالي والأدبي“. منطقيا، هذا ما كان يجب القيام به منذ نشأة المجلس،لكن إدارته كانت دائما تختفي وراء المادة 21 من الظهير المؤسس للمجلس الذي ينص على ما يلي: “يتمتع المجلس بالاستقلال الإداري والمالي في تدبير إدارته وميزانيته“. والفصل 159 من دستور2011 كرس هذه الوضعية:”تكون الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة مستقلة“.
من هذا المنطلق الضيق رفض مسؤولو مجلس الجالية تقديم أو إعطاء أي تقرير مالي للبرلمان، الشيء الذي جعل من لجنة المالية في مجلس النواب تقترح يوم 22 نونبر 2012 تقليص ميزانية المجلس بـ40 مليون درهم لسنة 2013،لتصبح 9 مليون درهم عوض49 مليون درهم،“نظرا لعدم الشفافية في التدبير المالي لمؤسسة مجلس الجالية المغربية بالخارج“. ولولا تدخل وضغوطات رئيس الحكومة آنذاك عبد الإله بنكيران، لوقع التصويت لفائدة هذا التعديل.
إذا كان الأمين العام عبر عن استعداده لتقديم عرض حول مجلس الجالية وحصيلة عمله، فالقيام بذالك ليس من باب “الود” أو “المجاملة“،ولكن انطلاقا من الواجب الدستوري،حيث ينص الفصل160 من الدستور على ما يلي: “على المؤسسات والهيئات المشار إليها في الفصول 161 إلى 170 من هذا الدستور، تقديم تقريرعن أعماليها مرة واحدة في السنة على الأقل، الذي يكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان“.
هنا يجب توضيح نقطة مهمة جدا. فالأمين العام يعلم جيدا أن تمثيل المجلس في البرلمان أو تقديم تقرير سنوي في جلسة عامة مشتركة لغرفتي البرلمان، موكولان لرئيس المجلس دون غيره،فهذا الاستعداد المعبر عنه، يجب قراءته كرسالة ضمنية للترشح لمنصب رئيس المجلس،فإذا عين في هذه المهمة، تعامل بشكل منفتح وشفاف مع مؤسسة البرلمان، خلافا للرئيس الحالي للمجلس..
3) غضبة الملك حركت القناصلة:
في هذه الخانة، تطرق الكاتب العام كذلك إلى هجرة الأدمغة، لكنه لم يتطرق إلى أسبابها الداخلية وسبل معالجتها في المغرب. من جهة أخرى، إذا وصفها بـ“سرقة الأدمغة” فسيسقط الأمين العام في تناقض صارخ، إذ يطلب ويقترح في نفس الوقت: “أن ينتقل المغاربة إلى دول أخرى” غير دول الخليج..
4) مقترحات حول المشاركة السياسية:
حول المشاركة السياسية، يقول الكاتب العام: “قدمنا مقترحات منذ 12 سنة قصد المشاركة في مجلس المستشارين بعد إنضاج الشروط.. وكان ممكنا اليوم إخضاع هذه التجربة للتقييم“.
أتحدى الكاتب العام أن يقدم وثيقة واحدة مشفوعة بالأ دلة والقرائن الثبوتية على أن مجلس الجالية تقدم كمجلس برأي استشاري أو حتى مقترحات صودق عليها في إطار الجمع العام للمجلس عام 2012، وأكرر هذا، أن الجمع العام لم يلتئم إلا مرة واحدة في بداية يونيو 2008،للموافقة على النظام الداخلي والبرنامج العام للمجلس وتقسيم العمل.
صحيح أنه في سنة 2012،طلبت قيادة مجلس الجالية من أعضائه، القيام بحملة “ترافع” شفوي تجاه الأحزاب السياسية والفرق البرلمانية لأجل تمكين تمثيل الجالية في غرفة المستشارين، لكن هذه “المبادرة” لم تكن إلا مناورة، إن لم نقل نفاقا. نعم. سنة من قبل، في إطار المشاورات والتهييئ لمراجعة الدستور، كان بالإمكان تعديل الدستور في هذا الاتجاه، لكن لم يحدث ذلك، بل حوربت هذه الفكرة لأن تنفيذها يتطلب فئةانتخابية (collège électoral)من المغاربة المقيمين بالخارج الذين يصوتون في مرحلة ثانية على ممثلين في مجلس المستشارين. على سبيل المثال أن يكون مجلس الجالية منتخبا.
رفض هذا الاقتراح ككل، رغم أن اقتراح تمثيلية الجالية في مجلس المستشارين جاء في مذكرات عدة أحزاب سياسية منها: حزب الاستقلال، حزب الأصالة والمعاصرة، الاتحادالاشتراكي للقوات الشعبية، التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري. علاوة على نقابتين عماليتين: الاتحاد العام للشغالين المغاربة والاتحاد المغربي للشغل. أضف إلى هذا الشبيبة الاستقلالية، والوسيط من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان. وعلى رأس هذا “اللوبي” الرافض لتمثيلية الجالية في غرفة المستشارين، كان يتواجد رئيس مجلس الجالية (إدريس اليزمي) ومستشار له، في إطار المجلس ضمن فريق العمل للمشاركة والتمثيلية السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج، وعضو آخر للمجلس الذي كان بدوره عضوا في لجنة تعديل الدستور.
في نفس الوقت، ركز هذا “اللوبي” عمله داخل لجنة إصلاح الدستور على صياغة الفصل 17 بصفة لا تشير قط إلى تمثيلية الجالية في مجلس النواب عبر انتخاب مباشر في دوائرانتخابية تشريعية في الخارج كما قد نص عليه القرار الملكي، المعلن عنه في الخطاب الملكي لـ6نوننبر 2005. وبعد إقرار دستور2011 الذي صادق عليه الشعب المغربي بعد استفتاء شارك فيه كذلك المواطنون المغاربة بالخارج، أصبح مسؤولو مجلس الجالية يعطون للفصل 17 تأويلا غير ديموقراطي.
هكذا في لقاء نظم يوم 15 فبراير 2012 في رواق مجلس الجالية بمعرض الكتاب، صرح إدريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية، ما مفاده أن تمثيل الجالية في الغرفة الأولى عبر دوائر انتخابية تشريعية في الخارج بمناسبة الانتخابات التشريعية المرتقبة في 2016 غير ممكن، فهو يتطلب تعديلا دستوريالإعادة النظر في صياغة الفصل 17 من الدستور.. نفس التأويل غير الديموقراطي أعطته في 9 فبراير 2012 الأستاذة الجامعية نادية البرنوصي التي كانت عضوة في لجنة تعديل الدستور أثناء لقاء تواصلي تفسيري للدستور، نظمته في باريس جمعية قريبة من التجمع الوطني للأحرار، ثم في لقاء “تواصلي” نظمه مجلس الجالية بأمستردام يوم 02مارس 2013 بتأطير من نفس الأستاذة الحامعية. وهذا التأويل اللاديموقراطي لجأ إليه كذلك في أبريل 2014 وزير الداخلية محمد حصاد في أفق الانتخابات التشريعية لـ2016 قبل أن يلتجئ إلى“سبب” آخر لإقصاء الجالية من جديد،لاستحالة تنظيم انتخابات تشريعية بالنسبة لـ800000 مغربي في “إسرائيل“!!!
خلاصة القول، إذا اعتبر الكاتب العام أن الحكومة تتجاهل مجلس الجالية، فالمجلس في الحقيقة يتجاهل الجالية في تطلعاتها وانتظاراتها المختلفة، من بينها التطلع إلى ممارسة مواطنة كاملة غير منقوصة بالنسبة للمغرب في الميدان السياسي والديموقراطي،مسؤولية هذا الإقصاء السياسي للجالية للحكومات المتعاقبة، للأغلبيات البرلمانية باستثناء بعض الفاعلين السياسيين، ويرجع كذالك إلى مسؤولي الجالية، ومن بينهم الأمين العام لمجلس الجالية، الذي كان دائما يصرح أن طلب التفعيل الإيجابي للفصل 17 من الدستور ما هو إلا مراوغة سياسوية وشعار أجوف، وأن الظروف لم تنضج بعد، زيادة على أن علاقات المغاربة بالخارج مع المغرب، تنحصر قط في الأبعاد الدينية والثقافية والوجدانية دون الجانب السياسي!!!
وأخيرا، نعلم أن بعض المنابر لا تنشر صفحات خاصة بأكملها إلا إذا اعتبر ذلك ماديا بمثابة “إشهار” تجاري. لذلك نطرح هذا السؤال: هل للمجلس ميزانية خاصة لتسويق صورته إعلاميا؟ إن كان الجواب إيجابا، فما هو مبلغها وكيف تصرف؟ ما هو المبلغ المخصص للمؤسسة عامة، ولتلميع صورة بعض المسؤولين خاصة؟