الفجوة الكبيرة “الخط العربي في زمن العولمة” :
عندما تكونت الكتابة تشكلت ذاكرة جديدة للجنس البشري، وحصلت طفرة هائلة للبشرية، ﻷن المعلومات البشرية بدأت تتراكم وتتكدس وتتفاعل، وبدأت بذور نهضة الحضارات تنتشي، حيث إن الكتابة بدأت بصياغة البشرية صياغة جديدة.
هذه المرحلة من اكتشاف الكتابة تعتبر أخطر تطور في تاريخ البشرية، ﻷن اكتشاف الحرف كان معناه تحويل النطق إلى كتابة تعبر عما تريد نقله إلى اﻷجيال القادمة.
ومنذ أن خرجت الحروف الرقمية إلى الساحة العامة، واستعمرت في ذاكرة الجيل الجديد، الذي بدأ بتناول تلك الموارد الجامدة في قولبة جديدة، للقضاء على فنون الخط العربي، وتهميشها ووضعها في زاوية مظلمة بعيدة عن الضوء، آذنت شمس الإبداع بالرحيل من ذاكرتنا إلى غير رجعة. فقد عمل الحاسوب بدقة فائقة في تغييب العنصر الجمالي للخط العربي، من خلال الكم الهائل لنماذج خطية عديدة، فأوصد غالبية أبواب الخط العربي، ولم يعد يتعامل معها.
لقد حولت الثورة الرقمية معظم الخطاطين، ولا أقول جميعهم، إلى تابعين لها، وقابعين في أسوارها، يتلقون تعليماتها بكل طواعية وتسليم، وذلك بعد أن غسلت أدمغتهم من الركائز الهامة لجوهر الخط العربي، واستوطنت بدلا عنها أشياؤها ومفرداتها. وتحول الخطاط إلى عنصر تابع للحاسوب في جميع مستويات الإعلان، بدلا من أن يكون هو السيد، والحاسوب هو التابع له. فهل يمكننا والحالة هذه اتخاذ خطوات تساعدنا إلى حد ما، في رأب الصدع القائم في جذبنا نحو الإبداع اليدوي الكتابي للخط العربي، بعد أن تعاملنا مع بدائل أضحت أكثر ترفيها، وتخفيفا من ضغط الواقع اليومي علينا ؟.
وهل نستطيع من جديد أن نكسو اللغة برداء نبض العبقرية، وجمال الحرف، وروعة الكلمة ؟.