قابلتها في الشارع ،سألتني عن مهنتي فأجبت بأنني أستاذة ..بدا لي جسمها منتفخا بعض الشيء ومع ارتدائها للكمامة ،اعتقدت بداية أنها بالغة فسألتها عن مهنتها ،قالت بعدما أحست ببعض الحرج ” أنا على باب الله ” .. ناولتها بعض الدراهم وظننت أنها سوف تنصرف إلى غيري ..
لكنها ارتاحت للكلام معي فأخذت تحدثني عن حياتها:
– سني لا يتجاوز الأربعة عشر عاما اضطررت للخروج إلى الشارع والتسول بعدما غادرت المدرسة ولم أحصل بعد على الشهادة الابتدائية . تخلى عنا أبي، وأمي التي كانت خادمة في البيوت أصبحت مقعدة ، إخواني كلهم أصغر مني ..ولقد أحضرت أمي طفلا آخر وجدته مرميا أمام باب المسجد فأصبح أخا لنا..في الأسبوع الماضي لم نجد ما نأكله ..لكن امرأة محسنة اشترت لنا الكثير من الخبز وأكلنا حتى شبعنا .. قالت تلك الكلمات وهي تحرك حاجبيها وتنظر إلي مبتسمة نشوانة لعلها تجد بعض الغيرة على ملامح وجهي من تلك التخمة التي أحسوا بها بعد حصولهم على كمية خبز حاف كافية .. فجأة أثار انتباهها بعض الأشخاص الذين كانوا يمشون على بقايا خبز ملقى على رصيف الشارع فأنكرت الأمر وقالت باندهاش :
– انظري كيف يرفسون الخبز بأقدامهم !
واستطردت قائلة :
– في يوم من الأيام حصلت على عشرين درهما ، واشتريت خبزا بنصف المبلغ لأطعم الطيور في نفس هذا المكان ..إنهم يجوعون مثلنا !
عجبت لأمرها وأدركت بعد حوار طويل بيننا كم هي بريئة وكم هي محتاجة للعناية والرعاية والتعليم والإحساس بالأمان .. ولا زالت هي تحدثني بكل براءتها وبساطتها ولا زلت أنا متأثرة لحالها وحال أسرتها ،رغم ابتسامتي المستمرة ومداعبتي لها حتى لا تشعر بأي حرج أو نقص ..
راودتني أحاسيس وأفكار عديدة وقلت في نفسي :
– ترى من المسؤول عن كل هذا الظلم وهذا البؤس .. ومتى ترأف قلوب المسؤولين والأثرياء في هذا البلد لحال الفقراء فيقولون كما قالت تلك الطفلة :
– إنهم يجوعون مثلنا ..
ترى هل سيأتي ذلك اليوم الذي يقتسم فيه أغنياء هذا البلد ما يحصلون عليه من ثروات مع هؤلاء الجوعى!