مرت 1000 يوم بالتمام والكمال على الحصار الجائر الذي تفرضه السعودية والبحرين والإمارات ومصر على دولة قطر؛ ولا تزال الدوحة تواصل تحديها لهذا الحصار من خلال إنجازاتها ونجاحاتها ووساطاتها الخيرة لإنهاء بعض النزاعات الدولية العالقة.
ولعل اتفاق السلام التاريخي الذي وقع السبت الفائت بين الإدارة الأميركية وحركة طالبان الأفغانية في العاصمة القطرية الدوحة، يدلل على الإسهامات الخيرة التي تبذلها دولة قطر لحل النزاعات العالقة بين الدول، الأمر الذي يعمل على صون السلم والأمن الدوليين ويجنب العالم ويلات الحروب الطاحنة.
ويؤكد متابعون ومحللون سياسيون عرب أن اتفاق السلام الموقع بالدوحة بين الولايات المتحدة الأميركية وحركة طالبان الأفغانية يعد تاريخيا، ويمثل خطوة مهمة لإحلال السلام بالمنطقة بشكل خاص والعالم بشكل عام.
وشدد هؤلاء على أن الدور الرائد الذي تسهم به دولة قطر لصون الأمن والسلم الدوليين وحل النزاعات والقضايا العالقة مشهود له ويسجل بحروف من ذهب، بالإضافة إلى أنه يظهر مدى القبول الذي تحظى به الدوحة من جميع الأطراف.
وعدّ هؤلاء جهود دولة قطر التي أفضت إلى هذا الاتفاق التاريخي بين واشنطن وطالبان تنم عن حرص كبير على إحلال السلام في المنطقة، لا سيما في ظل التحديات الخطيرة والحروب التي تموج بها.
دبلوماسية مميزة:
أكد المحلل السياسي محمد موسى حسن أن الدوحة لديها عدة مبادرات ووساطات دبلوماسية مميزة أدت إلى حل مشكلات دولية عالقة، وأن الجميع يعرف هذا الأمر، وأن الاتفاق التاريخي الذي وقع عليه ممثلو الإدارة الأميركية وحركة طالبان الأفغانية بعد عشرة أعوام من التفاوض برعاية قطرية، يعد إنجازا سياسيا ودبلوماسيا تاريخيا وكبيرا ويحسب لدولة قطر.
ولفت حسن إلى أن هذا الاتفاق خطوة مهمة نحو إنهاء الحرب الكارثية والصراع الدامي الذي تشهده أفغانستان منذ قرابة ٢٠ عاما، الأمر الذي يؤدي إلى إحلال السلام بأفغانستان.
وأضاف حسن: «يأتي هذا الاتفاق لإكمال الولايات المتحدة انسحاب قواتها الموجودة في أفغانستان والتي يبلغ قوامها ١٢ ألف جندي، وترك الأفغان ليقرروا بأنفسهم مصير بلدهم ونظام الحكم الذي يصلح لهم».
ونبه حسن إلى أن الاتفاق يتضمن بنودا في غاية الأهمية، ومن أبرزها جدولة انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، وتبادل الأسرى، والالتزام بخفض العنف والتصعيد خلال المرحلة المقبلة، لكن المهمة الأصعب تتمثل في اتخاذ الطرفين لخطوات جادة وسريعة لتنفيذ ما اتفقا عليه، والامتناع عن كل ما من شأنه خرق الاتفاق.
ومضى حسن يقول: «بعد 19 عاما من الحملات العسكرية والمواجهات المسلحة، توصلت الإدارة الأميركية إلى حقيقة أنه لا يمكن إلحاق هزيمة ساحقة بحركة طالبان وحسم المعارك الدائرة معها، وأن التفاوض السياسي هو الطريق الأمثل لاحتواء الصراع والانسحاب من أفغانستان، كما أن طالبان أدركت -بدورها- استحالة الإطاحة بالحكومة الأفغانية المعترف بها دوليا، وأن طرد الأمريكان من البلاد بقوة السلاح مهمة مكلفة ماديا وبشريا، وهذه من ضمن العوامل التي دفعت الطرفين لإبداء مرونة سياسية والجلوس على طاولة المفاوضات وتقديم التنازلات».
وأكد حسن أنه لا يمكن لكائن من كان أن يتحدث عن الاتفاق بين واشنطن وحركة طالبان دون الإشارة إلى الدور المحوري لدولة قطر التي احتضنت جولات المفاوضات بينهما، وبذلت جهودا دبلوماسية حثيثة من أجل التقريب بين الجانبين، وإقناع القوى الإقليمية والدولية بقدرتها على إنهاء الحرب في أفغانستان والتوسط بين الأطراف المتناحرة، وحققت الدوحة بذلك اختراقا دبلوماسيا تاريخيا، يضاف إلى سجلها الحافل بالنجاحات الدبلوماسية والوساطات الموفقة في أكثر الصراعات والنزاعات الدولية تأزما وتعقيدا.
وأضاف: أثبتت قطر بوساطتها في الأزمة الأفغانية أنها لم تنجح في كسر الحصار المفروض عليها منذ حوالي 1000 يوم وتحقيق طفرة اقتصادية مذهلة فحسب، وإنما باتت قادرة على لعب أدوار دبلوماسية نادرة وحل صراع دموي مستمر منذ عقدين تقريبا، وهذا في الواقع ما أثار غيرة وغيظ بعض الدول العربية.
ولفت إلى أن الجميع يشهد للدور القطري المعروف في عقد وساطات بين عدة أطراف متنازعة، وأن هذه الأدوار الدبلوماسية النادرة كان لها الفضل في تجنيب المنطقة ويلات الحروب.. مشيرا في هذا الصدد إلى الدور القطري المعروف في وقف التصعيد المتبادل بين واشنطن وطهران بعيد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني في يناير 2020، بالإضافة إلى الدور القطري في محاولة تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الفلسطينيين من أجل إتمام المصالحة وإنهاء الانقسام، وغيرها الكثير من الوساطات الناجحة.
أدوار مشهودة:
من جانبه، قال المحلل السياسي والكاتب الصحفي منير حامد: إن دولة قطر كعادتها تسطر اسمها من ذهب في فصول التاريخ، من خلال رعايتها لاتفاق سلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في العاصمة الدوحة.
وأضاف حامد ، أن هذا الاتفاق التاريخي أنهى الحرب الطاحنة التي استمرت 19 عاما بين الطرفين، واستنزفت آلاف الأرواح من الطرفين.
ونبه إلى أن الدوحة أنجزت هذا الاتفاق التاريخي على الرغم من الحصار الظالم المجحف الذي تعرضت له قبل 1000 يوم من قبل بعض الدول العربية، وعلى الرغم من هذا الحصار لم ترضخ الدوحة إلى الضغوط التي مورست ضدها تعسفا، بل تعاملت مع هذا الحصار بكل قوة، والجميع يعرف أن دولة قطر تعتبر دولة محورية لها دورها في تحقيق السلام في العالم، وكان آخر جهود الدوحة في حل النزاعات بين الدول دورها العظيم في إنجاز اتفاق سلام بين أطراف متناحرة لسنوات طويلة، وقد انتهى هذا الصراع بفضل الجهود المخلصة والحثيثة لدولة قطر.
وشدد حامد على أن الدوحة تمكنت من إنجاز هذا الاتفاق التاريخي في ظل تراجع للدور العربي في كل القضايا الدولية وحتى العربية، ورغم وجود مجموعة من الدول التي حاولت عرقلة هذا الاتفاق.
ونوه إلى أن هذه الاتفاق الذي بموجبه سيتم سحب قوات التحالف من أفغانستان خلال 14شهرا، وتزامنا مع عملية الانسحاب تبدأ مفاوضات سلام مباشرة غير مسبوقة بين حركة طالبان وسلطات كابل، كما ستعمل الولايات المتحدة على رفع كل العقوبات المفروضة على حركة طالبان، بحلول 27 أغسطس، في المقابل تلتزم حركة طالبان بقطع علاقتها، مع كل الحركات التي تصنفها الولايات المتحدة تنظيمات إرهابية.
وختم حامد حديثه بالقول: من جديد تثبت قطر دورها المهم جدا دوليا وإقليميا في حل النزاعات، وإنهاء الكثير من الصراعات، الأمر الذي يجنب العالم حصد المزيد من أرواح آلاف من الأبرياء، وما زالت للدوحة يد بيضاء في مد يد العون للمحاصرين والمهجرين ومساعدة بعض الدول سواء كان اقتصاديا أو غير ذلك، وأن هذه الجهود استمرت على الرغم من الحصار الجائر المفروض عليها.
اتفاق تاريخي:
من ناحيته، أشاد المحلل السياسي محمد شاهين بالاتفاق الذي وقع بين حركة طالبان الأفغانية والولايات المتحدة الأميركية في العاصمة القطرية الدوحة.. لافتا إلى أن هذا الاتفاق تاريخي وينهي صراعا داميا استمر حوالي 19 عاما بين الطرفين.
وقال شاهين: لقد نجحت دولة قطر في الجمع بين الطرفين ورعاية مفاوضات ماراثونية بينهما على الرغم من الحصار الجائر المفروض عليها من قبل بعض الدول العربية، وأن هذه الرعاية القطرية لجولات التفاوض أفضت إلى اتفاق تاريخي ستتحدث عنه الأجيال تباعا كونه سينهي إحدى أعتى الحروب التي مرت على العالم.
كما تطرق شاهين إلى مبادرات دولة قطر في إنهاء بعض النزاعات الدولية، ما أدى إلى تجنيب المنطقة ويلات الحروب والنزاعات.. متابعا «تعجبني المواقف العملية لدولة قطر في إنهاء بعض النزاعات العالمية العالقة، حيث إن هذه المبادرات تتفرد بها الدوحة».
وختم شاهين حديثه بالقول: «يأتي هذا الاتفاق التاريخي في الوقت الحاسم، حيث تمكنت قطر من إدارة المفاوضات بين الجانبين لمدة 10 سنوات بكل حكمة وحيوية بما يتناسب وزخم اللحظات التاريخية الراهنة، والضرورة الملحة لإنهاء النزاع بين الطرفين لما فيه مصلحة للشعب الأفغاني بشكل خاص والعالم بشكل عام».